ما دمت تمشي والأرضُ براحٌ في مدى عينيك، لا تقف. لست محارباً كي تستريح مضمّداً جرحك الوهمي، وما من أحد رآك مطعوناً بسهمٍ أو بقلم. لست إلا ورقة سقطت من غصنها حين هزّته القرود وهي تلعبُ وتمزحُ مع الطبيعة والشجر. ولذا، فما من عيبٍ لو رأيناك تتقلبُ في مزاج الريح، وقد تخضرُّ اليوم وتصفرُّ غداً، ويصيرُ مآلك نفياً ويكونُ دربك مرتعاً للسدود الناتئة.
أيها الفيلسوف، لن يخافك الأطفال بعد اليوم.. هذا كتابك نثروا أوراقه في النهر فاستيقظ تيّار الضدّ، وانتبه الماءُ إلى مكيدة الجفاف وجرى، قبل أن يُعلّقَ نعيُه في غرف العطشى للمعرفة، ولدى الحائرين حول معنى «الحرية» وهي مجرد كلمة، وحول أصل «الحب» وهو مجرد بركان. وأنت، أيها الفيلسوف الحيّ، إلى أيهما ستنتمي، والطبشورُ الذي وضعته في فمك انكسر وسدّ بدايات أغانيك، والقلم الذي ذهبت لتطعن به خاصرة الشيطان، لم يكن مسموماً بما يكفي ليقتله ويُرديه!
أحبب زمانك، قلت لنا. لكننا تكاثرنا على صهوات الخيول الواقفة، وانطلقنا على ظهور أحصنةٍ كلما لكزناها ركضت للوراء، وكأن بينها وبين المدى سدٌّ لا يُرى. أو كأننا حين نكتبُ سيرتنا على المناديل، إنما نجفف دمعة الزمن البطيء، حيث الكل يسابق الكل في الدائرة المغلقة، ونحن مجرد متفرجين على سركِ ظلالنا.
هل يملك الفيلسوف غير عكّازه وكتابه ونعليه؟ إذن لماذا نراك تركض حافياً.. وتخوض وحدك في طين الأسئلة الشائكة؟ ألا يكفي أن جمجمتك الهشّة قد تتكسر تحت المطارق إذا اختلف حول نواياك؟ أم أنك تتبعُ سيرة الرماد حين يخبو حتى يظنّهُ مُشعلوهُ انطفأ ومات، لكن أصابع الريح الغادرة، في كل مرة، تعود لتوقظ جمره من جديد.
نناديك أيها الفيلسوف: لا تبح بمكان المفاتيح، لا تدل الجهلة إلى مخزن الأسرار. فنحن نخاف من الزمن الأعرج أن يطأ على أسمائنا بالخطأ فتتغير هوية قلوبنا. أو ربما تكتبُ طفلةٌ كلمة «لا» في كرّاسها، فيصبح بعدها المغنّون حراساً لمعاني الندم، وربما نراهم يبكون من قسوة الدهر وثقل وطأته على أرواحهم!
نحبّك يا أيها الفيلسوف، ولكن لم نقل إننا نهابك. فأنت وحدك من يدرك الفرق بين العصا والحبل، وهذه ملَكَةٌ تكفي لنجاة روحك.