كلمات تجعلنا نُزهر وترفعنا إلى السماء، وأخرى تجعلنا ننطفئ فتهوي بنا. فهل يعلم أصحابها ما يفعلون بنا؟!
عندما قرر والدي «سيا» الانفصال، ذهب الصبي الصغير -كرهاً- مع والدته إلى بيت أهلها المتواضع جداً والبعيد في إحدى قرى محافظة «كوازولو ناتال» بجنوب أفريقيا، وهناك تبدأ رحلة مختلفة تماماً في حياته وحياة غيره أيضاً، عندما تقرر جدته «الفطينة» شغل وقت حفيدها والترويح عنه بعيداً عن ما ألمّ بعائلته. ولأن الصبي الذي تعلم في العاصمة كان يجيد القراءة بشكل جيد، طلبت منه مساعدتها في متجرها الصغير الذي كان أيضاً يستقبل «بريد القرية». وهكذا تبدأ مغامرة «سيا» عندما طلبت الجدة من حفيدها أن يقرأ الرسائل لأولئك الذين يستلمون بريدهم من ذويهم وأحبائهم ولا يعرفون القراءة.
هكذا تبدأ أحداث الفيلم القصير من «جمهورية جنوب أفريقيا» غير المُكلف على الإطلاق، والذي لا يستعرض في خلفياته سوى تضاريس الطبيعة لتلك القرية الريفية البعيدة التي تغيب عنها كل أشكال الحضارة الحديثة. ولأن القرية امتلأت بنسوة تركهن أزواجهن بحثاً عن فرص عمل في العاصمة «جوهانسبرغ» كان الترقب والانتظار يأكل من شبابهن وحيويتهن، فبدَين مستسلمات يائسات جداً، وهو ما أعتقد أن عبرة العمل بمجمله تدور حوله. إذ وصلت لإحداهن رسالة من زوجها الذي غادرها، يعلمها بانفصاله عنها ويطلب منها أن تبدأ حياة جديدة. غير أن «سيا» الذي بدأ بقراءة الرسالة للزوجة «البائسة» لم يخبرها بفحوى ما فيها، بل بدأ يقرأ كلمات وكأن الزوج يبث فيها من ولهه وشوقه لزوجته في رسالة افتراضية لم تكن إلا في خيال الصبي وحده، وجعلها حقيقة في واقع الزوجة.
خبأ «سيا» الرسالة الحقيقية وأخذ يكتب رسائل للزوجة باسم زوجها، ويوهمها بأنها وصلت منه، مستخدماً كلمات وتعابير دافئة تعلمها من خلال ما كان يصل من رسائل أخرى. كانت تلك الرسائل -الوهمية- بمثابة النور الذي ملأ قلب الزوجة فأصبحت أجمل وأكثر إشراقاً، فبدأت تتعاطى مع يومها بحيوية وحب، كأنها نبتة جافة وجدت ماءها.. فأزهرت. وتنتهي قصة الفيلم عندما يعود الزوج للقرية بعد أن فقد عمله ليعتذر منها ويطلب عودتها له، ولكنه يفاجأ باستقبالها المحب وجمالها الذي أينع في غيابه، وكذلك يعود «سيا» إلى العاصمة بعد أن يتصالح والداه. إنها الكلمات الطيبة.. ذلك السحر الأبدي.