تذهب الكتابة، في كثير من حيثياتها إلى منطقة (اللعب) بالمفردات، والتلذذ بفتنة توليد الصور الغرائبية والمبتكرة. ويبدو الكاتب المبدع، مطالباً بشكل أو بآخر بهذا النوع من التجاوز الحذِق لمنطق الكتابة العادية والروتينية، بما يجعله مدفوعاً للدخول في مناطق التجريب والمغامرة، وهي مناطق حذرة جداً، ولا يمكن الاتفاق على قبولها بالنسبة للذائقة التقليدية، أو حتى النقد الجاهز الذي يؤسس لخطابه بناء على قراءة التجارب المكتملة، بينما النص الذي لا يزال في منطقة المغامرة يحتاج إلى زمن اكتماله. وبالتالي تتولد مساحة شاسعة جداً بين النص الجديد وإمكانية نقده. وما نراه من إطلاق الأحكام على التجارب الجديدة، إنما هو حكم مبتور ومتسرّع ويحاول أن يفسّر نوع البذرة قبل ارتفاع الشجرة.
بالمقابل أيضاً، يرى أصحاب التجارب الجديدة المختلفة والمغايرة، أن النقد الأدبي لا يجاري طرحهم اليوم، وأن النقّاد يفضلون الذهاب إلى المناطق المضمونة، واختيار أصحاب التجارب المكتملة. لذا تظل تتكرر أطروحات في النقد والدراسة للأسماء البارزة. هناك على سبيل المثال عشرات الدراسات عن شعر السياب، التي تناولت جميع تفاصيل حياته وشعره وأسلوبه ووجدانياته، وأخرى مثلها لدرويش وأدونيس وبقية أسماء جيل الرواد بدرجات متفاوتة. وهذه النسبة تقل تدريجياً كلما انتقلنا إلى الجيل اللاحق بعدهم، إلى أن يصبح من النادر أن تجد دارساً في النقد يتجه لقراءة التيارات الأحدث، بما يوحي بأن هناك سلطة أكاديمية في مدارس النقد لا تزال تفرض توجهاتها على الدارسين الجامعيين وتوجههم في اختيار مادة البحث.
أمر آخر مهم، هو إشكالية مناطقية النقد الأدبي، إذ لا يزال النقد يتوجه إلى مناطق دون غيرها، ويمكن أن نلاحظ أن الإبداعية الأدبية في دول الخليج، رغم تقديمها لتجارب كلاسيكية ناضجة منذ بداية القرن، وتجارب حداثية منذ منتصف القرن الماضي، لا تزال غير مطروقة نقدياً بالشكل المطلوب. ولو بحثنا في قوائم البحوث النقدية للجامعات العربية في المشرق والمغرب، لن نجد الكثير عن أدب دول الخليج، إلا في بحوث بعض الطلاب المبتعثين من دول الخليج نفسها. وهو إشكال يمتد بدرجة ما إلى مدارس وكليات النقد في الجامعات الخليجية نفسها.
تكتمل حلقة النقد أيضاً، بالممارسة النقدية التي نجدها في الكتب والمقالات المنشورة للنقاد، وهذه أيضاً لا تقترب من تحليل وتفكيك النص الجديد، وتفضّل اختيار الجاهز والمكرّس والمعاد، وكأننا أينما ذهبنا، وجدنا المدخلات والمخرجات نفسها تتكرر باستمرار.