بديهية أو مُسَلَّمة، كلمات تطلق على كل ما لا يحتاج إلى تجربة لاكتشافه، وأسباب عدم إدراك البديهيات يعود -حسب قراءة علمية- إلى خلل في الذهن، أو نقص في الحواس، أو تعمد عدم الانتباه، وهذا الأخير بالذات هو ما كنت ملتزمة به، مع سبق الإصرار والترصد، ولهذا بقيت أُعاني لفترة طويلة «جداً» من حياتي بمحض إرادتي، وذلك رغم عملي في مجال من المفترض أنه يجعلني «خبيرة» في الحياة، إلا أن الواقع لم يكن كذلك على الإطلاق، فقد بقيت أقدم نفس ردات الفعل المتفاجئة حول أحداث كان يعرفها أغلب تلاميذ المدرسة الابتدائية التي تجاور مقر عملي! 
وفي كل مرة كنت أعتقد أن البديهيات التي كان عليَّ اكتشافها منذ زمن قد انتهت، وقد أصبحت على دراية تامة بها، فتأتي المرة الجديدة تحمل لي الخبر القديم نفسه، بأني ما زلت متفاجئة. كانت تلك الأشياء تجعلني أعود في كل مرة طفلة صغيرة تكتشف للتو ملمس الأشياء الخشنة، الشائكة، والحارقة، وهذا تماماً ما كان يسعدني في الأمر، لذة اكتشاف المشاعر الجديدة، لا المشاعر ذاتها. حالة التعلم تلك كانت وقوداً لكل طاقتي التي كان يستغربها من حولي، في الكتابة والإنتاج. لقد كانت لخيبات الاكتشاف المتأخر للبديهيات طاقة للتعلم على الرغم من خشونة وقسوة وحرقة ما أجده.
بالتأكيد تغيرت قواعدي السابقة في تجاهلي المتعمد للأشياء، بعد أن أخذت البديهيات تتحول وتفرض نفسها بشكل دائم. فأصبح من البديهي أن تجد من يعرقل لك أمراً، ومن المُسلّم به أن تجد من يؤذيك، ومن الطبيعي أن يكون هناك من يسيء لك. لم تعد تلك الأشياء تستدعي ردات فعل مصدومة، كما أنها لم تعد تستدعي طاقة المقاومة ووقود الإنتاج، ولا حتى لذة الاكتشاف.