في الإمارات والجزيرة العربية للرحلات الداخلية هواة محددون في الزمن البعيد، أما رحلات الصيد والقنص أو الرحلات الموسمية في الفصول المعتدلة فتزدان فيها الصحراء والبحر والبيئة المحلية، وأكثر هذه الرحلات عشوائية، أو تتم بترتيب سريع لدرجة أن الشباب المراهقين ينفذونها دائماً لكسر رتابة الحياة والملل. وقليلون من يدركون أهمية اكتشاف الأمكنة والبيئة والتعرف عليها بحق، والتأمل في جمال زواياها وأماكنها، أو اكتشاف الجديد فيها. والقليل جداً من يغامر للخوض في عمق الصحراء مثلاً أو الجبال والسهول الواسعة والوديان الخطرة، كالأعماق البحرية أو الجزر البعيدة والصغيرة والنائية، حيث لا يغامر في الوصول إليها غير بعض المحترفين أو صيادي الصقور أو الباحثين عن أرزاقها في المناطق الصعبة، مثل الباحثين عن عسل النحل وسواهم من المغامرين والمولعة قلوبهم بالاكتشاف وحب الطبيعة، وبالطبع مع مراعاة التعليمات والقوانين المنظمة لذلك. وهناك من يطاردون السحب ويذهبون بعيداً حيث الوديان ومصاب ومجاري المياه بين ثغور الجبال ولكنهم قليلون جداً أو لا يتعدون أصابع الكف.
الرحلات تحتاج لقلوب محبة وفرحة دائماً بروح التحليق والانعتاق، وعزيمة غير عادية لا تفكر في التعب، وأيضاً تكره الكسل والتقاعس والميل إلى الراحة والاسترخاء. والروح المحلقة والتواقة إلى الفضاء والانفلات من قيود الرتابة دائماً ما يحفزها المتغير الخارجي وتدفعها التغيرات البيئية إلى الخروج.
وقديماً لم تكن الوسائل المساعدة للرحلات والاكتشافات والترحال متاحة أو متوفرة بصورة أحسن أو أجمل مما هي عليه الآن، فالزمن غير صورة ووجه التفاعل مع المحيط والبيئة. والآن تداخلت الإمكانيات والقدرة على التطوير وصنع بيئات وأماكن نهضت ورفعت حتى من فكرة أن الحياة والأماكن الجميلة أو البعيدة والنائية هي موقع متاح للناس ليتمتعوا بالمناظر والأماكن، بل حتى أن يصنعوا إضافات جديدة تجعل الأمكنة والمواقع الجميلة أكثر إشراقاً وجاذبية، وأن يأتيها الناس من كل أنحاء الإمارات، وهذا ما تحقق حيث كانت هناك أماكن يصعب الوصول إليها قديماً في الإمارات، فكم جبل وواد ومناطق نائية لم يكن يعرفها ويصل إليها إلا أهلها وسكانها، وأصبحت الآن من أجمل الأماكن التي يذهب إليها الناس للزيارة والترحال، بل أصبحت مَعلماً مهماً من معالم البلد الجميل، مثلاً جبل جيس وجبال خورفكان وحتا وجزر ومواقع كثيرة.
إن ثقافة الخروج للتعرف على الطبيعة والبيئة تكاد تكون قد أصبحت عادة، بل اللافت أن البعض أخذ يعد أدوات خاصة للخروج إلى الفضاء من سيارات قطْر إلى أدوات تخييم ومعيشة وطهي ونوم في فضاء هذه الصحراء الساحرة، ثقافة جديدة أخذ يتعلمها الفرد في الخليج العربي، وظهر عند البعض فن الطهي والطبخ الذي يتناسب مع فن الرحلات، بل إن الكثر من عشاق الترحال أبدعوا في إخراج وإعداد وتقديم برامج فيديو رائعة في فن الطبخ للتجمعات الكبيرة أو الصغيرة، وهذه التفاعلات الكبيرة والجديدة لم تكن حاضرة في منطقة الخليج العربي.
لقد شاهدنا في ربوع هذه الصحراء الكبيرة من أقصى الجزيرة العربية إلى أقصاها أعداداً كبيرة من الشباب الرحالة الذين يقتفون أثر المناطق الجميلة، التي هطلت فيها الأمطار واخضرّت الأرض وازدان عشبها وأزهرت الخزامى ونوارة أزهار الصحراء، وازدانت السفوح والجبال وجرفت الوديان ولمعت وسالت الغدران، وهؤلاء الرحالة الشباب يحولون نهاراً وليلاً تلك الأماكن إلى ساحات تجمعات وفرح وطهي وزهو.
كم تغيرت الحياة، وكم أصبح الإنسان قريباً من بيئته يتفاعل مع المتغير فيها ويزيدها بهجة وجمالاً، وكل هذه الوسائل الحديثة هي خير وداعم لتطوير معالم الطبيعة في الإمارات والجزيرة العربية.