«في طريق بعضهم لجني الحصاد.. ينسون زرع البذور»..
للأسف يحدث هذا كل يوم، وما دورات التنمية الذاتية وكتب التطوير الشخصي التي تتربع على قوائم الكتب الأكثر مبيعاً على مستوى العالم، وما تدفع فيه قراءها ومريديها إلى استخدام تقنيات سريعة للفت الانتباه ولإحداث التأثير في الآخرين وإقناعهم إلا محرضات لهذا النوع من الحصاد الذي يأتي من الفراغ. فلا بذور سبقته ولا ماء روّاه! كيف ذلك؟ 
الإجابة بكل سهولة تكمن في التأثير المباشر قصير المدى الذي يحدثه هؤلاء الناس ممن يمتلكون التقنيات المطلوبة، وهو ما يتم حصاده. أما البذور فهي كل الصفات التي يبدو أنها لم توجد أساساً في مدعيها، وهي ما لم تزرع أساساً.
تعد مهارات الاتصال الركيزة الأساسية لذلك النوع من الدورات والكتب، والتي هي في مجملها برمجات تعزز من قدرات الإنسان التواصلية مع الآخرين فقط، كالابتسامة الجاهزة وإظهار التقدير المفتعل والمشاركة المبالغ فيها في اهتمامات الآخرين أو هواياتهم، واختيار اللغة المبالغ في انتقاء مفرداتها، وكلها تقنيات يقدمها ذاك النوع من الكتب ودورات السلوك وتطوير الشخصية. أضف إلى ذلك قصص النجاح المحفزة ليقلدها المشاركون -بسبب المكاسب التي جناها أصحابها سواء على الصعيد الشخصي أو المهني- ما يجعل مرددي هذا النوع أشبه بمن تم برمجة عقله لينتج سلوكاً إيجابياً من المفترض أنه يقوده للنجاح.
غير أن الحقيقة أن ذلك ينتج فقط سلوكيات لا تشبه حقيقة أصحابها. فما يتم التركيز عليه بالأساس له علاقة مباشرة بتعزيز قدرات الإنسان التواصلية وشكله أمام الآخر، غير أن قيم الإنسان ومنظومته الأخلاقية -التي قد تكون مختلفة تماماً- لا يصيبها تغيير، بل لعلها تصبح أكثر ترسخاً. فطالما أن سلوكياته الظاهرة تتكلل بتحقيق مصالحه، فما الذي سيدفعه لتقييم أخلاقه؟! وعلى سبيل المثال لا الحصر، تعلم وافتعال لغة الجسد التي تظهر انفتاحاً فيما صاحبها شخص عنصري أو أناني، أو استخدام تقنية تقدير النساء في السلوك العام ليبدو صاحبها أكثر تحضراً، فيما الحقيقة أنه مقتنع بأن المرأة مخلوق أدنى منه!.. وهكذا.. قس على ذلك كل أشكال السلوك الشخصي غير المرتبطة بقيمة راسخة في وجدان صاحبها.
فأن تمتلك طباعاً ذات بريق مميز ملهم للآخرين يعني أن تمتلك أخلاقاً حقيقية صادقة.