أهم ما يثير اهتمامي في حال قراءتي لنصوص روائية لثقافات أخرى، انشغالي‏ بإنشاء علاقات بين ما يحدث للشخوص في بيئة النص وبين ما يحدث لي في بيئتي. أعتقد من أكبر الفرص التي نفوتها على أنفسنا عدم تمتعنا بتلك الهبة التي تمنحها لنا القراءة في جعلنا نرى أنفسنا بعيون وطرق مختلفة.‏ فعلى سبيل المثال، قد ترد بعض العادات المتعارف عليها في مجتمع الرواية، فتستهجنها بشدة، وتحدث نفسك بأنك محظوظ جداً كونك تنتمي لثقافة أخرى لا تفعل ذلك «السوء» الذي هو «فضيلة» في ثقافة الآخر. حسناً، هذه الحالة مهمة جداً، ولكن لاكتمال الفائدة حاول أن تنظر لعاداتك أيضاً بعين قارئ من ثقافة أخرى، وحاول أن تتخيل، كيف سينظر إليها!
تأتي بعض العادات منها المتوارث ومنها الحديث المكتسب كخيوط الحرير، تلتف بشرانقها حولنا فنقبل عليها بسعادة من دون أي ممانعة، بل إن بعضنا قد يدمنها ولا يطيق حياته دونها. قبول الأفراد ببعض هذه الممارسات هو حرية شخصية كاملة، فطالما راقت هذه القيود وتمكن من الانسجام معها بواقعه وتطلعاته، فلا تعليق على ذلك. فما يجب أن يكون محل تأمل وتعليق، عندما تتحول بعض الممارسات إلى عادات تورثها الأجيال غصباً إلى أجيال أخرى يختلف واقعها وتطلعاتها عمن سبقهم.
للنساء نصيب كبير من هذه المتوارثات، فعلى مر العصور وفي مختلف الحضارات كبلت النساء بجملة من الممارسات المتوارثة التي تعاملت معها كجزء من كيانها الإنساني وإكمالاً لأنوثتها رغم عدم حقيقة ذلك إلا في ذهن من فرضها للمرة الأولى، سواء من ناحية توافق ذلك مع واقعه أو تماشياً مع أهدافه. أما الأسوأ فهو قناعة المحيط بذلك، وتمسك المجتمع بهذه الممارسات -التي كثيراً لا يعرف لها أصل- واعتماده عليها لدرجة عدم تخيل الواقع بدونها.
تكرار الصورة بشكل مكثف ومستمر عبر الأجيال يحفر في الذاكرة ‏مكاناً راسخاً، وفي العقل مكاناً عميقاً؛ إذ يرفض هذا الأخير قبول غير ذلك معبراً إياه الحقيقة المطلقة، ويتفنن في إيجاد مبررات منطقية لوجوده ولأهمية وحتمية استمراره. بعضهم يعيش مع تلك التقاليد من دون أي تلميح أو مناقشة كأنها جزء من أعضائنا التي خلق بها، أما المجتمع فينظر باستهجان الى من يترك تلك التقاليد، بنفس العين التي ننظر فيها لعادات الآخرين في الثقافات الأخرى.