تتصدر الكتب الروحانية الجديدة قائمة أفضل المبيعات في العالم منذ سنوات عدة، وأقصد بالروحانية تلك الفلسفة التي تقترح خلاصاً ذاتيا للفرد، وتقدم علاجاً روحياً وجسدياً وعقلياً للإنسان المعاصر المتأزم في مواجهة عالم تأكله الماديات وتنهشه الفوضى ويخلو من السلام والاطمئنان النفسي. تذهب الكثير من هذه الكتب للنهل من الفلسفات الشرقية بعد تحويرها وإعادة كتابتها بلغة معاصرة وممنهجة يفهمها العامة ويمكن ترجمتها إلى جميع لغات العالم. ولا بأس، فقد ساعدت هذه الكتب الآلاف من البشر في الوصول إلى مناطق سلام مع الذات رغم زحمة الحياة اليومية. لكنها ظلت مستعصية على الطبقات المثقفة التي تؤمن بالعلم وبالمنطق والدليل والتجربة.
مؤخراً، ذهب الكثير من قادة العالم الروحانيين إلى الاستعانة بالعلم وبالفيزياء لإثبات نظرياتهم وفلسفاتهم الروحية. منهم على سبيل المثال د. جو ديسبينزا في كتابه الرائع المترجم للعربية «هدم الطباع»، والذي يقدم فيه سرداً علمياً معمقاً حول نظريات الفيزياء الكمية ويغوص في تحليل النواة والإلكترونات والنيوترونات المحيطة بها ليثبت في النهاية نجاعة طرق التأمل التي يقترحها لعلاج النفس والآخرين، علاجاً جسدياً وروحياً، وهي بمثابة سند علمي مثبت لتمارين التأمل التي اقترحتها الفلسفات الشرقية منذ مئات السنين. وهناك كتاب آخر انتشر بشكل كبير جداً في العالم هو «السماح بالرحيل» للدكتور ديفيد هاوكينز الذي يربط بين مستويات وعي الإنسان وبين الأمراض التي يتعرض لها، لكن نجاح الكتاب اعتمد بشكل كبير على المنهجية العلمية لهذا المعلم الروحاني، وبالأخص عندما ذكر أنه اشتغل في أبحاثه وتجاربه مع علماء من وكالة الفضاء الأميركية المعروفة (ناسا).
كتاب آخر يذهب في الاتجاه نفسه صدر مترجماً العام الفائت هو «بوذا وآينشتاين في المقهى»، وفيه يذهب المؤلف إلى استعراض النظريات العلمية وبعض المقولات لكبار قادة العالم مثل (آينشتاين، داروين، لينكولن، الاسكندر الكبير، نيلسون منديلا، والبوذا) في محاولة للربط بين مفاهيم روحية قديمة وفلسفات معاصرة ونظريات علمية وفيزيائية وبعض الاكتشافات الجديدة عن الذهن والجسم والطاقة من أجل الخروج بوصفة لإطالة عمر الإنسان. وكأن جميع هؤلاء إنما كانوا يتحدثون اللغة نفسها طيلة هذه السنين التي تفرق بينهم.
هذه الكتب الثلاثة مجرد نماذج من سلسلة طويلة من الإصدارات التي تتربع على قوائم أفضل المبيعات في كل أسبوع وكل شهر في الغرب. وفيها تلجأ الروحانية (العلمانية) إلى مكتشفات العلوم لتقوية أسسها الجديدة وتعزيز خطاباتها.