ثمة حياة إنسانية عظيمة يشترك فيها العالم، وينميها عقوداً من الزمن، ليحصد منها جمالية كونية مشتركة، في قيمها وموروثها الأزلي وتعتد الإنسانية في بعدها الأخلاقي عبر العصور التي مضت، وتمتد آتية بمقوماتها في شيوع الأمم، وحضاراتها المختلفة، التي تكن لبعضها الاحترام، وعلى مر العصور تنسج الروابط العالمية دلالاتها المجتمعية، وتغرس كل ما من شأنه أن يمس الأعراف المتبادلة وتعززها بالضمانات الكونية المطمئنة على قيمها وما تؤل إليه من واجبات إنسانية.
جميل أن يتحد العالم بعراقته وانتمائه المستمد من قيمه الجميلة والراقية والمبصرة دائماً نحو التجدد الفكري والثقافي، الذي ينمو ويبحث ويطور الذات البشرية، كما يطور الأمكنة وهي الذات الملهمة للحياة والمدنية العظيمة التي أسهمت في البناء الحضاري اللافت على مدى قرون، لذا كم يشعر العالم في الآونة الأخيرة بالاغتراب وبمنعطفات غريبة ومزعزعة للقيم الإنسانية، يشعر بالضرر والفوضى بما يحدث من متغيرات خارقة لحصونه.
في إطار الظواهر الجديدة والغريبة على مستوي العالم تحصد القيم ويساء فهم الحريات، وتطمس مكونات الإرث الثقافي العالمي، وتجرف تقاليد لانتزاع ما عهدته البشرية من مقومات روحية ومترسخات جاءت من الفطرة البشرية، ونمت كونياً ولم ترادف الحياة البشرية سوى الحضارات في تحولاتها الزمنية.
إن الاغتراب الحضاري العالمي لا شك يخلق كثيراً من المعاناة، وينذر بالاحتمالات الكبيرة والمتحولات لبرهة من الزمن، لكن عهدنا الإنسانية في طورها المتماسك والمنتمي إلى العقلانية، وفي سياقها العظيم لا تلتفت لهذه الزوابع المهمشة والمنهكة، التي تبادرت لها أمثلة عدة في الحياة البشرية، وانتهت حيث بدأت، فالقيم الإنسانية راصدة حثيثة لكل اقتراب لمكوناتها وارثها، ربما تستفز في مقوماتها الأهم وفي مكونها البشري، إلا أنها تحفز للاختلافات البشرية، وتهيئ عالمها لنسيج إنساني قادم بجمالية بمخاضاته المنحدرة من الاحتدامات عبر العصور، وتراها تخفق أحياناً البشرية وتصعق بالأفكار المزعزعة، إلا أنها تجدد عهدها مع الحياة لتعود وتتماسك بشعورها الأسمى، بميراثها التاريخي، بمكوناتها البشرية الباحثة عن الحضارة الجميلة، ولا اكتراث حقيقياً بأي ظواهر غريبة وغرائبية، لأن الإنسانية طوال تاريخها ومسيرتها قادرة على إعلاء قيمها وتقاليدها الراسخة التي ترفع من قيمة الإنسان وتعزز من تراثه وتقاليده الراسخة.