الآن في مثل هذه الساعة من المساء المطلق في كل يوم، وفي مثل هذا الشوق الذي يزلزل قلبي في انتظارك، في مثل هذا الحنين الذي يصهل في أوردتي، في مثل هذا التوحد الذي يعصف بي. أشتاق إلى لقائك والحديث معك يا أخي الغالي. كما كنا دوما على مدار سنين العمر، حين كنت تعلمني القراءة والكتابة عندما تعود من المدرسة، وتغريني بقراءة الكتب التي تحضرها معك من مكتبة مدرستك. وأدخلتني بيت المطوعة (عائشة) التي كانت تعلم الأطفال قراءة القرآن، فختمت قراءة القرآن في مدى شهرين، الأمر الذي أدهش المعلمة والجميع، واحتفلتم بي كعادة الاحتفال بالأطفال الذين يختمون قراء القرآن. وحين دخلت المدرسة الابتدائية وضعوني في الصف الثاني لأني كنت أحسن القراءة والكتابة بفضلك أنت يا أخي الغالي. أتذكر أننا كنا أحياناً نجلس صامتين أو نثرثر مثل عصافير المساء على سدرة مكتظة بالنبق في شتاء حميمي. ومثل جدولين منسيين في نهر يتدفق إلى جهة لا نرغبها. مثل نجمتين تنفلتان من مجرتيهما، أود الحديث معك في هذه اللحظة من الليل اليتيم مثلي، فشجرة الفل تنثر عطرها أمام غرفتي. وأنا مسحورة بهذا البياض الباذخ. هذا الذي يقول ما لا أملك قوله. فاقترب يا أخي الغالي لأقطف لك زهرات الفل وعطرها الذي ينثره جمالها وبياضها الباهر. ربما لو أننا في بلد واحد لأتيت إليك في مثل هذا الوقت الذي هو جلوة روحي، واهتياج شوقي دون أن أخشى الحدود التي تفصل بيننا وتختم حضورنا بدمغة على الورق. مرة قلت سأرسل إليك رسالة صغيرة، أو بطاقة معايدة، أو بطاقة على (الواتساب) الذي أصبح بديلا عن اللقاء والاعتناق، لكنك انتصبت بملامحك التي تبدو مبتسمة دائما، وسخرت من الاعتيادي والمألوف والبطاقات، وانسحبت رافضا تعويض اللقاء الحميمي بيني وبينك بهذه الوسائل التي فرقت بيننا بخط على شاشة.
الآن يتفتح في وجداني الشوق إليك، مثل زهرة الفل المشاكسة، فماذا أفعل بها، وماذا أفعل في غيابك؟ وأنت أبعد من عطرها الذي يملأ غرفتي، ولا أملك القبض عليه. هل كنت تستطيع القبض على موجة تتكرر بين قدميك في هدوء؟ لا أنا ولا أنت حين نلغي حدود الليل والنهار ونزاوجهما بتوق اللقاء، والحديث الذي يفيض في لحظة التواصل. فمتى أراك وتشتعل بحضورك نجوم الثريا التي أطفأت ضوءها جرائر البشر.