نصبح عاديين.. حين نقتل في أنفسنا قدرتها على الاختلاف. العادي جداً أن تكون مثلهم، تذهب أينما يذهبون وتتحدث فيما يتحدثون، العادي جداً أن تكون في ركبهم، تتبع خطاهم وتنبهر بأفعالهم فقط لأنهم هم من فعلوها. وإن حدث وخالفت ذلك لأنك وجدت لك طريقاً خاصاً يشبه أفكارك وأكثر ملاءمة لك ولاحتياجاتك، التي لا تشبه احتياجاتهم، ستعتبر في نظرهم شخصاً غريباً -هذا في أفضل الأحوال- لأن خيار إقصائك بعيداً عن المحيط، هو الإجراء العادي لمخالفة دربهم.
لم نخلق متشابهين، نختلف كثيراً في اهتماماتنا وطرق تفاعلنا مع الأشياء، في طرق استمتاعنا، وأسباب استهجاننا. وعلى الرغم من تأكيد الجميع على تلك الحقيقة، إلا أن المختلف يلقى استنكاراً واستهجاناً لسلوكه، ويواجه بمحاولات إعادته -بكل الطرق والوسائل- إلى الصواب! ولكن من المعني أساساً بالقيام بهذا الدور؟ وما هي مرجعيته التي تجعله يحدد معنى وشكل هذا الصواب؟
هل ما يناسبها ويتواءم مع معتقداتنا هو الصواب؟ أم ما يريحنا ويمتعنا ويسعدنا هو الصواب! أم أن الصواب فيما يحقق لنا مصالح مادية؟ وهل يمكن أن ما نعتبره صواباً هو عكس ذلك تماماً لدى أشخاص آخرين أكثر نجاحاً منا! وهل لهؤلاء الآخرين صواب لا يتلاءم مع صوابنا! أم أن للصواب معنى آخر لا أحد يملكه، وهل لهذا الصواب أوجه ودلالات أخرى؟ وإن كان أن للصواب أو الحقيقة زوايا مختلفة يحددها أشخاص مختلفون، لماذا إذا لا نحترم اختلافاتهم، أليسوا هم أيضاً يملكون جزءاً من هذا الصواب!
عندما لا نرى سوى لون واحد في مكان ما من دون تدرج، يعني أننا أمام الظلام، وعندما لا نسمع سوى صوت واحد له رأي واحد، ولا تلتقط آذاننا أي اختلافات أخرى في الكون، فإننا لم نعرف من الحياة شيئاً، وعندما لا نرى سوى أنفسنا... يعني أننا في ظلام. هكذا هي الحياة، الاختلافات تضيء الكون، والمختلفون معنا بمثابة الشمعات التي تحدد معالم الطريق. أن نكون مختلفين لا يعني أن نكون على خلاف.. وبين ذلك الاختلاف وذاك الخلاف... حضارات تتشكل وأمم تتداعى.