من ذا الذي لا يفهم ما تقوم به المشاعر عندما تتحول إلى حريق هائل في الصدور. ومن ذا الذي لا يستوعب كيف تكون العقول عندما تتعلق بفكرة، أو أيديولوجيا. هذه الطرائق التي تبددت، وتجذرت في كهوف الوهم هي الآن التي صارت تنهش في الجسد اليمني، وتدمر مراياه التي كمانت في يوم من الأيام تسعد الضمير الإنساني كلما وقف أمامها مدهوشا بإبداع بشري رسخ في الذاكرة معاني الحب للحية، وأسس التضامن مع متكاملات الوجود. جماعة الحوثي التي باعت الحاضر، ليس مستغربا منها أن تبيع الماضي، وتدمر ذخائره وحيثياته، وكل ما احتفظ به اليمن من مكتسبات وطنية كان ينبغي على هذه الفئة أن تتخلى عن الهمجية وألا تخدم أغراض الغير، وألا تكون أداة هدم وتدمير، لمدخرات بلد لم يبق له في هذه الدنيا غير تاريخه، وهي الآن تغرس أنياب الحقد في أهم ما يملك اليمن وأنصع شيء في حياة شعبه. ولكن عندما تقع العصابة الداكنة على العيون فلا يرى المعصوب ما يميز به بين الحق والباطل، ويصبح في الحياة كائناً مسربلاً بفكرة جهنمية، لا ترى أبعد من القدمين وجغرافية اليمن شاسعة واسعة بكنوز التاريخ الأمر الذي يجعل هذه الفئة تدود بأطرافها الحمقاء على أرواح وأقداح غير مبالية بما تجره من ويلات ومصائب وخر ائب على البلد وأهله لأنها فئة فارقت الحياة منذ أن أمعنت في تكريس الموت كوسيلة للظفر بالكرسي، وكرسي اليمن واسع لا يمكن أن تملأه فئة ضئيلة ضيقة الأفق، حالكة الرؤية، مطموسة القيم. ما يقوم به الحوثي اليوم هو ليس اعتداء على حضارة اليمن فحسب، بل هو سطو بغيض على موروث إنساني لازال يخص بلدا معينا بقدر ما هو حصيلة تاريخ يهم الإنسانية جمعاء، الأمر الذي يترتب عليه نهوض أممي لمواجهة هذا التعسف، والإسفاف، وقطع دابرة وعدم الاكتفاء بالتصريحات، والكلام المجوف، اليمن واجه معضلة كبرى في كل مناحي الحياة والاكتفاء بالكلام لن يسكت ضجيج الدمار على أيدي جماعة آمنت بالعدمية منهجاً وسلوكاً. على العالم أن يتأزر بالحقيقة، والحقيقة ضد الظلام وضد الظلم وضد السير عكس التاريخ، والتاريخ يفصح لنا باللغة العربية الصريحة الواضحة بأن ما يقوم به الحوثي هو العبثية بشرها وشرارتها، وأن غض الطرف عن مثل هكذا خربشات على سبورة التاريخ سوف تمحو آثار بلد عريق له في الحضارة مزامير بعث وصحائف وعي في ضمير الإنسانية، ما يحدث في اليمن يندى له الجبين حيث الفتك في التاريخ يجري في عين النهار، والعالم يتفرج، ويلطم على الخدود فقط. هذه مأساة عصر أصبح للصغار مخالب، والعالم يقف مشاهدا فقط.