عندما لا تعجبنا البدايات، نتبارى ونتسابق في اختلاق الذرائع والمبررات، فبيننا من يقول: إن محركات الإيقاع لم تشتغل بعد لوجود قصور على الجانب التنافسي، وبيننا من يتذرع بأن وقود الإبداع ليس كافياً لإشعال الفتيل، وبيننا من يذهب للمؤثرات الخارجية ليرفعها سبباً لتواضع البدايات، فيتحدث عن مباريات تُجرى في أجواء ساخنة جداً ومشبعة بالرطوبة، فكيف للاعبين أن يبدعوا مباريات قوية في ظل هذا القيظ والاختناق؟!
لكن ما جاءت به مباريات الجولتين الافتتاحيتين لدوري أدنوك للمحترفين أعفانا صدقاً من استنساخ تلك الذرائع والمسببات، بل إن ما شاهدناه شيء خرافي بأتم معنى، مباريات أغلبها تُجرى بمدرجات شبه مملوءة بجماهير متعطشة، ولاعبون يتحدون كل المؤثرات المناخية، والنتيجة أن المشهد جميل، باحتفالية المدرجات وبخصوبة المضمون الفني، وفي ذلك تأكيد لما ذهبت إليه قبل أن ترفع ستارة الدوري، عندما كتبت أننا سنكون أمام موسم مختلف، سيرتفع فيه مؤشر الجودة لمستويات عالية، والرابح الأكبر سيكون بلا شك هو الأبيض الإماراتي التواق لبناء المستقبل على أعمدة قوية لا هشاشة ولا شرخ فيها.
وكان من المؤشرات الدالة على هذا الاستهلال الجميل، أن الأندية بتشكيلة من المدربين المخضرمين تسلحت، وبلاعبين مميزين تعززت، وباستعدادات قوية تحضرت، فماذا بقي لكي يكون الموسم حالة خاصة، ولتكون البدايات ملهمة وجذابة، ولكي نرمى من أولها بمباريات تصيب بالدهشة؟!.
ومن علامات هذه الدهشة، أن مواجهة الجزيرة للعين في ثالث جولات الدوري، باتت حديث كل المجامع وقمة تختال في عيد المتعة، وعندما ينظر للمباراة على أنها ديربي من عيار خاص وفريد، فإن البدايات الرائعة هي التي أوحت بذلك، فالفريقان يملكان كل المقومات الفنية والبشرية التي تجعل من اصطدامهما تحفة للناظرين، ومن مبارزتهما ألقاً به يرتفع الدوري في المدى. لن أستغرق في الحديث عن الإرث التاريخي للديربي بأرقامه وبهاراته؛ فهو كان وما يزال بل وسيظل لحظة استثنائية في زمن الدوري الإماراتي، لكنني بالمقابل سأقبض على المؤشرات الظاهرة للعيان، لأخلص إلى أن ديربي العاصمة سيكون هذه المرة شكلاً ثانياً.
لفخر أبوظبي وللزعيم العيناوي مدربان راسخان في عالم الإبداع التكتيكي، الواحد منهما للآخر كتاب مفتوح، ولو أن من تفوق في آخر النزالات هو مدرب البنفسج الأوكراني سيرجي ريبروف، وللفارسين هدافان لا يشق لهما غبار، علي مبخوت الجزراوي صاحب الخمسة أهداف في أول مباراتين، ولابا كودجو الجوليادور العيناوي صاحب أول «سوبر هاتريك» في الموسم، وللكبيرين جماهير ستحول بلا شك استاد محمد بن زايد بالعاصمة الحالمة إلى مسرح احتفالي لترسخ فصول الحكاية في الذاكرة.
أما قلت لكم إنها بداية استثنائية لنسخة حتماً ستكون الأجمل لدوري أدنوك للمحترفين؟!.