في لقاء جميل عبر الشاشة المتلفزة، والذي بث قبل سنوات قليلة، تحدث علي بن غليطة، وهو شخصية ذات تزامن جميل مع الحياة والمجتمع ورفاق الدرب، تحدث عن الماضي بدقة التفاصيل، بذاكرة يقظة بمشاهدها، وبما رأت، وآلت عليه، ذاكرة تستدعي أحداثاً شائقة من عمر مضى، يرويها بتفاصيلها البسيطة، وبمسيرته الحياتية، بدءاً من منطقة هيلي، حيث ولد وترعرع بمدينة العين، النبع الصافي. كان يسرد ذكرياته من سنوات الستينيات، وما بعدها، كما لو لم يسردها من قبله أحد، وهو الذي يحفل بقيم المنطقة وتاريخها، وبشخوصها، كأنه يحتضنها بحب، يتدفق شوقاً، ويستشرف أثر حياته، بعد هذه السنوات الطوال من العمر، بشوق وحنين إلى زمن مضى، زمن اكتسى بالتواضع والأخلاق، وطيب الرجال ونخوة العرب. وقال رغم قلة الموارد إلا أن أصالة المبادئ، هي الحاضرة والمنتمية لزمن الآباء والأجداد، حيث يشعر بقوة الإرادة المجتمعية.
ابن غليطة هو الرجل المتقن لحديث الآباء والأجداد وعاداتهم العربية الأصيلة النابعة من جذورهم، لافتاً إلى بعض مظاهر ومفردات الحياة في ذلك الوقت، قائلاً إن الرجل كان يؤتمن على النساء إلى أن يصل بهن إلى بيوتهن، إذا ما دعت الحاجة ليرافقهن في مسير البر، من مدينة العين إلى أبوظبي، مجتمع كان يسوده التعاون الأسري في مجابهة صعوبة الحياة وقساوتها آنذاك.
وقال بن غليطة عن عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إنه كان عهداً مشرقاً، حيث شعر الجميع بالأمن وبالأمان، وبدأت المدارس تجذب الأبناء والبنات، وبدأ العمل ينتظم في حياة الناس بمنهجية الحفاظ على التراث، والإرث المجتمعي. كانوا يعملون ضمن الحرف البسيطة، ورغم العوز، كانوا يسطرون جل العمل من أجل أن لا يجوع أبناؤهم، فكم كانت قلوبهم ومشاعرهم مع مجتمعهم وذريتهم. وتحدث بن غليطة عن تجربته في العمل بالشرطة ذاكراً رفاق دربه ممن رحلوا، ووفاء لهم ذكر أسماءهم وجسد أفعالهم في تأسيس العمل الشرطي.
كان لقاء أشبه بالبوح، والسرد الحاضر فيه الماضي، لم ينفصل بن غليطة عن حياة مجتمعه، بل كان يثني على كل المراحل التي عاشها، وبلهجته المحلية العميقة، راصداً مفاصل مهمة من تاريخ الوطن. حديث عاصر كثيراً من حياة الناس والمجتمع بالإمارات، رواية المحب للحياة وللتأصيل والتفاؤل، إنها ذاكرة الإنسان الأصيل تعيد ترتيب الأشياء ووضعها بمكانها كما لو أنها ترتب أبجدية الكتب. ويسهل على المرء التعامل مع الذاكرة بصفاء الحلم وجوهر الذات المنبعث منها ضوء الزمن المشرق على كل التفاصيل الجميلة والمؤثرة، هكذا يتحلى بن غليطة بأسلوبه وهدوئه ومكانته وحضوره.