حاولوا معي وضع صورة لشكل (الاستهجان). نعم فلنتوقع ملامح لهذه المشاعر، كيف ستكون يا ترى؟ أو لنتخيل رائحة أو صوتاً لها. حاول عزيزي القارئ أن لا تضع حدوداً لتصورك لشكل هذه المشاعر، لأنه ومهما بلغت قدراتك التخيلية لها، فإنك لن تفيها حقها في توقع درجة قبحها. نعم للأسف، قد تكون كلمة (قبح) أنسب المفردات لوصف انعكاس فعل الاستهجان على متلقيه، وخصوصاً عندما يكون جماعياً.
أدركت المجتمعات البشرية على مر الزمن تأثير هذا الفعل الجماعي على الكثير من أفرادها ممن قد يقومون بسلوكيات وأفعال تنافي ما اعتادته مجتمعاتهم. يسمى هذا الفعل -تلطفاً- عائقاً مجتمعياً؛ بينما هو في حقيقته استهجان، وهو شعور الاستنكار المشوب بالتقزز الذي قد تُبديه مجموعة ما معبّرة عن عدم موافقتها أو رفضها لأفعال بعينها.
قد يعتقد الكثيرون أن العائق المادي هو أكبر المعوقات، التي يمكن أن يواجهها الإنسان خلال مسيرته في تحقيق أهدافه، ورغم تأكيدي على دوره المهم، إلا أنه لا يعد شيئاً أمام قوة العائق الاجتماعي. ويدرك ذلك جيداً أصحاب النجاحات المدوية والرواد من أصحاب التغيير الاجتماعي؛ كون هذه الفئة الأخيرة بالذات تدرك تماماً قوة التيار الذي يواجهونه ومقدار التضحيات لإكمال مسيرتهم في طريق وصولهم إلى الهدف.
وعادة ما يبدي أي مجتمع قوة ضارية في مواجهة محاولات تغيير قناعة أو تقليد تَرسخ فيه، ولقي استحسان أفراده -خصوصاً لو لم يتوافق هذا التغيير مع قيمه العقيدية- والمثير أن المجتمع سيتحرك أفراده ككل -باتفاق ضمني- في محاولة تغيير مسار وترويض من خولت له نفسه الخروج عن السرب. ويتجلي هذا الرفض في ردود أفعال أفراده الناصحة تارة، المستنكرة والشاجبة تارات أخرى، والمقصية وهي أكثر رداته تطرفاً، وكذلك الهجومية معنوياً ومادياً في أكثرها عنفاً. ويعد ذلك إحدى أهم أدوات الحماية التي تساعد المجتمعات على البقاء، وفي رأيي أنه حق طبيعي يجب استخدامه لضمان الاستمرار، فأي مجتمعات تهاونت تجاه السلوكيات المخالفة لكيانها انهارت وذهبت أثراً بعد عين.
قد يختلط الأمر على بعضهم حول رأيي الخاص تجاه أحقية الاستهجان الجماعي الذي قد تمارسه بعض المجتمعات على سلوك أفراد منها، غير أني سأختم مقالي بسؤال ما زلت أبحث له عن إجابة؛ هل يحق لنا كمجتمع يريد أن يستمر ويبقى أن نستخدم ذلك الوجه الزاجر في وجه سلوكيات فردية قد تهدد بقاءنا؟