«مرة قال إيريك هالاند، إنه يفضل أن يلمس الكرة خمس مرات في المباراة ويسجل خمسة أهداف، أنا لا أحب هذا، أريده أن يلمس الكرة مرات ومرات».
الكلام هو للفيلسوف بيب جوارديولا، وعندما يتكلم بيب، فإنه يقول حكماً كالتي قالها في أزمنة عبرت حكماء وفلاسفة، ومن أجل هذه الجمل الرائعة التي لا ينطق بها سوى مبدع خارق مثل جوارديولا، سافر هالاند من ألمانيا إلى إنجلترا.
وطبعا عندما يأتي المكوك النرويجي إلى مانشستر سيتي تحديداً، فإنه لا يسير فقط على نهج والده، لا ليحقق فحسب حلم الطفولة، كما قال يوم حزم حقائبه ليبدأ سفره لبلاد العجائب، ولكن ما جاء هالاند إلى مانشستر سيتي مفضلاً إياه على أندية أخرى كريال مدريد مثلاً، إلا لأنه شعر بضرورة أن يدخل عالم بيب العجيب ليحصل منه على ما يريد، أن يهذب حواسه ويرتقي بأسلوبه ويفتح المزيد من الشفرات السرية الكامنة وراء سفر عدد من اللاعبين إلى منصة الأساطير.
ما قاله بيب على بساطته (الخادعة) عميق عمق فكره وفلسفته، فالرجل الساعي دائماً إلى ملامسة الكمال الكروي، عندما يستعرض خوارق الفرد فلا يضحي أبداً بسيادة المجموعة، وهالاند لم يؤتَ به إلى مانشستر سيتي ليكون ماكينة أهداف، أو لتنحصر مهمته فقط في الرمي بالكرات في المرمى، ولكن ليكون جزءاً لا يتجزأ من المجموعة، ليكون لحناً في سيمفونية جماعية، لذلك لم يقبل بيب أن يعزل هالاند نفسه عن جماعية الأداء، والتي تعني الوصول المتكرر للكرة والاستحواذ عليها بشكل إيجابي.
هذا الذي قاله بيب، وصل واضحاً لا لبس فيه لفكر وعقل هالاند، كيف لا وهو أصلاً ما جاء من أجله، ليعمل في حضرة الفيلسوف، وقد أظهر ديربي مانشستر كيف أن كمبيوتر هالاند يسجل الملاحظات والتوجيهات ويبني عليها، ففي هذا الديربي الرائع سجل هالاند ثالث هاتريك له في إطلالته الأولى على البرمير ليج، ليصل إلى هدفه السابع عشر في 11 مباراة لعبها حتى الآن بقميص السماوي، لكن ليس هذا كل شيء، فأمام اليونايتد لمس هالاند الكرة أكثر من المعتاد، وزود زميله فيل فودن بكرة الهدف الرابع، ولعله في ذلك أسعد مدربه بيب وهو يطبق الحكمة الأولى التي تقول: إن كرة القدم لعبة جماعية تمارس من طرف الأفراد، ولا خير في فرد لا يشتغل من أجل الجماعة، ولا خير في لاعب لا يمتثل لأحكام الجماعية، ومهما بلغت براعة إيرلينغ هالاند في توقيع الأهداف، إلا أن أسطوريته ستبدأ من ضلوعه الكامل في منظومة اللعب مفيداً ومستفيداً، فاعلاً ومفعلاً، والجماعية وحدها ما سيجعل من هالاند أعجوبة في بلاد العجائب.