قلتها، وقالها غيري، وجزمت بها الأرقام التي لا تكذب، فالشمس لا يحجبها الغربال، ومن رأى الموسم في مده وجزره فيروزاً يلمع على الشطآن كما كريم بنزيمة، لذلك ما كانت الكرة الذهبية لمجلة «فرانس فوتبول»، وهي الأرسخ في عالم الجوائز التقديرية بفخامتها وجاذبيتها وحتى مرجعيتها، ما كانت الكرة الذهبية لهذا الموسم لتستقر في حضن غير حضن كريم بنزيمة.
وقد قدرت أن يطل ذاك البريق من عيني كريم وهو ينادى عليه ليعتلي منصة الأساطير، أن يشع ضوء باهر من البؤبؤين، وأن تشد أصابع اليدين الوثاق على جائزة ما انقطع عند كريم الرجاء للقبض عليها، برغم أن فورة إبداعه كما هي فورة إبداع كثير من النجوم، ارتطمت لأزيد من عقد من الزمان بتحكم ميسي ورونالدو في خطوط الفرجة والبهجة، كما يرتطم الموج بالصخر الأصم.
ولعلكم استمعتم معي لما قاله كريم الأسطورة وهو يتسلم كرته الذهبية من أسطورة سبقته، زين الدين زيدان، لقد انتقى بجودة عالية كلماته، ليقول: لا يأس مع الحياة، وإن الفوز بهذه الجائزة التي تجعل منه خامس لاعب فرنسي يحظى بها، وقد تخطى الثلاثين من عمره، هو أجمل مكافأة له على الصبر والجلد والمشي بتواضع في ردهات القياصرة ليجد له مكاناً يخلد فيه اسمه مدى الحياة.
وإنْ كانت أرقام كريم بنزيمة الخرافية، وإحصائياته المدهشة (42 هدفاً في 44 مباراة و14 تمريرة حاسمة ولقب هداف دوري الأبطال بـ15 هدفاً)، وبصماته في كل إعجاز جاء به ريال مدريد الموسم الماضي وهو يسطع بالقمر الأوروبي الرابع عشر، ويتلألأ بالنجمة الخامسة والثلاثين في سماء الليجا، إن كانت تلك الومضات الساحرة هي ما جعلته بمطلق الأمانة وبعلامة الاستحقاق التي لا تترك هامشاً للشك، ينصب سلطاناً متوجاً بالكرة الذهبية السادسة والستين لـ«فرانس فوتبول»، فإن مسار كريم بنزيمة الرياضي والإنساني يلهم كل من به رغبة لكي يصنع المجد ويقتفي أثر المشاهير، ويحقق الحلم الكبير.
لقد جاء زمن على كريم، وهو الذي استقدمه ريال مدريد يافعاً من نادي أولمبيك ليون، ليكون الظل الأمين للدون كريستيانو، السقاء والنادل والخادم المطيع، وقد تقلد كل تلك الأدوار من دون أن يخسر ذرة من كبريائه، وعندما طوى البرنابيو صفحة الدون، وأوكل لكريم أن يحمل المشعل والرمز ويقود الملكي في ركابه، كان الرجل في أتم جاهزية ذهنية، فتحول بلا تعقيدات إلى قائد يحمل على ذراعه عمادة وفي عنقه قلادة، فأحسنت الألقاب له الوفادة.
قال عنه الأسطورة زيدان الذي حماه ذات وقت من عربدة الإعلاميين: «كريم لا يتكلم كثيراً، وهذا شيء رائع، ولكنه في كرة القدم إنْ تكلم أنطق من به صمم!».