منذ فترة وأنا أراقب مؤشر التوتر والخوف الذي ارتفع كثيراً في طباعي وطباع من حولي، وكنت أبرر ذلك بأوضاع كورونا وأخبار الحروب وتداعياتها الاقتصادية علينا، وغيرها من كومة أسباب قد تكون مبرراً  لذلك الشعور الغريب بالحذر والترقب. غير أن الأمر أصبح غريباً مع تزايد الخوف من أمور طبيعية لم نكن نفسرها في السابق إلا بطيب وجمال، كأن تطرق جارة باب منزلك في وضح النهار، أو أن تصلك مكالمة من رقم لا تعرفه، أو دعوة إلكترونية لحضور فعالية عامة، وغيرها من الأشياء التي كنا نقبل عليها بولهٍ.. فلماذا أصبحنا نتصرف بطريقة غير طبيعية تجاه الأمور الطبيعية؟
*
بمراقبتي الخاصة وجدت أن كثيراً مما أشاهده وأقرأه وأسمعه -وهو مبرمج ومقصود- يدفعني جبراً إلى العمق في الشعور بالخوف، ففي ذاك الفيلم قتل الجار جاره بدم بارد، وفي ذاك الخبر كانت الدعوة الإلكترونية فخاً للاستحواذ على حسابات بعضهم على منصات التواصل والعبث بها؛ فيما يقولون إن استجابة ذاك الشخص للرقم الهاتفي الذي لا يعرفه كانت سبباً في النصب عليه. وهكذا أصبحت تصوراتنا تجاه الأشياء حولنا تحمل صوراً مرعبة لا نحتاج إلى اختبار ألمها لتجنبها لأننا تألمنا فعلاً مما قد وصلنا مما نسمعه أو نشاهده أو نقل إلينا. صحيح أن الخوف كان أساساً لاستمرار جنسنا البشري والحفاظ على نوعنا وسلامة أجسادنا، كون مصادر ذلك الخوف مهددة فعلاً للبقاء، أما خوفنا الجديد فهو قائم على تصورات مبالغ فيها يبدو أن التجاوب معها هو ما يهدد بقاءنا.
*
كان خوف الإنسان سبباً أساسياً في تطويع بيئته وظروفه بشكل أفضل ليتمكن من العيش والبقاء بعيداً عن المفترسات وعن أماكن التغيرات الطبيعية، فهرب من مناطق البراكين وطوع بيئة الزلازل وتفادى حدوث الفيضانات خوفاً على سلامة مكانه. هذا كله صحيح ولكن خوف الإنسان من جاره أو من مكالمة هاتفية أو من التعرف على الآخرين، أو تجربة الأماكن الجديدة أمور قد تخل بمنظومتنا الطبيعية، ولعلها تخل ببقائنا أحياء في الأساس. فماذا نتوقع عندما تشل قدراتنا العقلية ونتصور الأسوأ فقط؟ وقتها سيصبح البؤس هو السائد فيسهل الاختراق من أولئك الذين دفعونا لكل هذا.