كان الصبي الصغير مولعاً بالبحر وحياته المتجددة كل يوم، بين مده وجزره ورياحه وهدوئه وسكونه. تحولات وتغيرات كبيرة في الشتاء، برد قارس شديد التغير في الحياة اليومية. رياح عاصفة وأمواج عالية تداهم الشاطئ بعنف قد تمتد أياماً طويلة، ثم هدوء وصفاء للبحر. والسماء/ الفضاء الذي تهجره السحب الراحلة مع الريح. تزين المكان وتزيد من روعة الشتاء طيور النورس الجميلة، التي تأخذ الألباب وقلوب الصبية الصغار الذين يبتكرون مختلف الوسائل لصيدها والاحتفاظ بها كصديق عزيز، أو ككائن جميل يزين أيامهم وأوقاتهم.. فرح ذلك الصبي بأن اصطاد أحد النوارس، حمل نورسه بفرح عظيم وأسرع يعدو إلى المنزل، أخبر أمه والجميع بأنه في نهاية الأمر وبعد محاولات كثيرة نجح في الحصول على طائر أبيض جميل، عشقه بقوة، ولخوفه من أن يفر منه يوماً قص أطراف جناحيه وضمن أن طائره لن يغادر أو يفر منه أبداً. 
امتدت حياة الطائر معه أعواماً طويلة، اطمأن أن الطائر قد ألفه وأحبه أيضاً، وأن هناك عشقاً متبادلاً بينه وبين طائره الأبيض الجميل. عندما دار الوقت وجاء الشتاء، وأخذت طيور النورس تملأ المكان وتزينه وتحط على جدار منزله الذي يجاور البحر، لاحظ أن طائره قد نمت أجنحته، وأنه يحاول أن يلحق بالنوارس المحلقة. داهمته فكرة أن يحرره من حجزه وقيده، قال في نفسه بالتأكيد سيعود ولن يخون العشرة، ولن يضيع الحب والعشق أبداً.. حلق طائره في الفضاء يتبع النوارس.
 الفكرة التي داهمتك يوماً بأن تحرر طائرك بعد أن نمت وكبرت أجنحته التي قصصتها في البدء، عندما اصطدت/ أمسكت الطائر وأحببته كثيراً، وأخذت تعتني به، تطعمه وتروي عطشه وتراقب حركته الجميلة في فناء منزلك، كنت مسروراً بأنه أحبك وألف العيش معك، تصورت أنه رفيق زمن وحياة طويلة، ويستحق أن يحلق مثل النوارس، يفرد جناحيه للريح ويعبر البحر بحرية، وبالتأكيد سوف يعود ولن ينسى، سيتذكر هذه العناية الكبيرة والحب الكبير. 
عادت النوارس، هل عاد طائرك الأبيض معها، هذه الريح العاتية هل عرفتها يوماً، وحدك تجمع قواقع البحر، وتمد الخطى بطيئة مثل سلحفاة. نادراً ما يعود الطائر الذي يفر من الأقفاص التي تقيد حرية التحليق في الفضاء الحر، لن يتذكر أي شيء، طائرك الذي حلق وفر بعيداً لن يعود مع النوارس، قلت يوماً إن الطيور تأتي كل عام لنفس الساحل أو الشاطئ، تعيد دائرة الحياة، تأتي من البعيد للمكان نفسه، وفي الفصل نفسه، وربما للبحيرة الصغيرة التي حطت عليها يوماً.. عندما أطلقت طائرك الأبيض في تصور وتخيل عودته الحتمية، وظللت لأعوام طويلة تنتظر الشتاء وعودة النوارس وطائرك، ولكن خاب ظنك، لم يحضر بعد مضي عام. لم تيأس ولم تنهِ حالة الانتظار التي تحكمت في تفكيرك، وما برحت تطوف بالسواحل والشطآن كلما جاء الشتاء وريح الشمال، أصبحت تهذي وتعتقد أن هذه الطيور البيضاء المحلقة فوق قمم الموج والتي تملأ السماء تجوالاً، هي فراخ ذلك الطائر، أو أحدها كان بيضة طائرك الغائب من زمن بعيد. ليس كل من تحب وتعشق يعود بعد الغياب والهجر، وليس كل من أوفيت له وأكرمته يتذكر.