الجلسات الجماعية وغيرها من الأنشطة التي يتشارك فيها الناس ولفترات طويلة ومستمرة مناقشات حول أمور بعينها وخصوصاً إذا كانت علاجية أو فكرية، تزداد حالات الانفتاح والقبول لدى أفرادها. وبالتالي فالمجتمع الذي يختار هذا النوع من الوضوح في الجلسات تضيق فيه مساحات التشكك والريبة في ما يعتقده أفراده تجاه الآخرين. بل قد تصبح أكثر الأوقات سعادة تلك التي تسمح لنا بالاستماع للآخرين الذين يقدمون أمراً مختلفاً، والنظر إلى ذلك كونه إضافة جديدة قابلة للتجربة والنجاح والتميز أيضاً.
حدث ذلك بشكل أكثر كثافة لدى قارئ الأدب، وأكثر نجاعة لدى من يشاركون القراءات الجماعية، فالعلاقات الناشئة بين أفراد جماعة القراءة تجعلنا ندرك خلفياتنا الاجتماعية وظروفنا المتباينة، وهو ما يجعلنا مع الوقت نستوعب آراءنا المتباينة وطريقة تلقينا بطبيعة الحال للكثير من أشكال الإبداع المتنوعة. ولفهم المسألة بشكل أكثر، علينا بداية أن نتفق على حقيقة مفادها أن تذوق الإبداع ليس حالة مجردة، بل هو حاسة يغلفها الكثير من العمليات الشعورية والمعرفية التي تتفاعل كثيراً قبل أن يعبر عنها صاحبها وإن بدا الأمر بشكل سريع كالتصفيق إعجاباً على سبيل المثال. وهذه العمليات هي سبب اختلاف الأذواق الذي ينشأ بين الأشخاص تجاه الفنون، وبطبيعة الحال تجاه كل الأشياء حولنا.
أحضر جلسات قراءة جماعية منذ سنوات عديدة والحقيقة أن هذا النوع من الأنشطة منحني إضافة فكرية لم أكن لأحظى بها إطلاقاً مهما تضاعف عدد قراءاتي. كنت في السابق عندما أجد بعضهم قد اختلف بشكل جذري تماماً عن تقييمي لذات الشيء، أنظر بارتياب شديد واستغراب منقطع النظير إلى ذلك، وكان سؤالي الحاضر دوماً «هل يتعمد مخالفتي؟!». ولكن مع تأمل تلك الاختلافات وتفكيكها والتعامل معها بشكل أكثر أنسنة، أي السماح لأنفسنا بالتعرف على «إنسانية» الآخر، واستيعاب ظروفه وصفاته، وقتها تماماً قد نتمكن من استيعاب تباينه معنا في أشكال تلقيه للأشياء من حوله التي قد نتشارك فيها. عندما حدث ذلك بدأت الأمور لديّ تأخذ تحولاً آخر.