كل شكل من أشكال الفن له لغته الخاصة التي يثير بها ذائقة متلقيه. وكما أي لغة في العالم هناك ما قد يروق لنا، وهناك ما قد يثير حنقنا. وبين الحالتين درجات متفاوتة ومتعددة ولا حصر لها تتفاوت بين العشق والعداوة كحالات تلقٍّ متطرفة، المثير أنها جميعاً بكل أشكالها تعد حالات تعاطٍ جمالي مع الفن، على عكس ما يعتقده بعضهم بأن الحالة الجمالية التي نشعر بها تجاه عمل ما، رواية أو لوحة أو قطعة موسيقية أو شعراً، يجب أن تستدعي فينا مشاعر الراحة والبهجة فقط، غير أن الحقيقة أنه وفي المقابل هناك مشاعر مؤلمة وحانقة ومولدة للاستهجان تفعلها فينا بعض الأعمال، وهذا ما يعرف بالتلقي الجمالي.
أحاول من هذا الطرح إعادة تصنيف مشاعرنا أمام ما لا نرتاح له، أو لا نحبه، فالقناعة بحقيقة الفرق بين الأمرين كفيلة بتقليل درجات الاختلاف الصدامي مع من لا يتفق معنا حول عمل ما، وتقبل الحالة الذوقية لديه. إن تقدير إبداعات الآخرين بشكل عام والاعتراف بالحالة الجمالية فيها، يختلفان عن إحساسنا بمشاعر الميل أو الحب تجاهها، فتلك الأحاسيس التي تعتمل بدواخلنا أثناء قراءة عمل ما -قراءة حقيقية تفضي إلى التأمل- والتغيرات العصبية التي تطرأ علينا، المختلفة بطبيعة الحال عن حالتنا العصبية قبل التوقف أمام العمل، لا يمكن عبورها بتجاهل، فجملة تلك الأحاسيس تجاه الإبداع هي المحددة للحالة الجمالية الناتجة عن العمل، سواء كانت حالة غضب أو فرح، ألم أو لذة، استحسان أو استهجان، رفض أو قبول، وما بين كل تلك المتناقضات من أطياف متباينة سواء أفلح البشر في وصفها أو لم يفلحوا للآن.
اعتدنا على استحسان الأعمال التي تثير فينا المشاعر المريحة، ولهذا يبدو موقفنا متشنجاً تجاه غيرها من الأعمال المستفزة لمشاعرنا، بينما لو تأملنا بعمق حقيقة انعكاسات أعمال كهذه علينا، لتأكدنا من جماليتها، بل والدرجة العالية من الجمالية فيها، فالأسهل أن تركن إلى ما يريحك وما يبهجك وهو ما سيكون نادراً أن تبني شيئاً بعده، بينما ما يستفز مشاعرك ويثير حنقك وغضبك يجعلك تطرح أسئلة وتحاول الإجابة عليها مستدلاً بحجج في تحدي العمل، وهذا بالتأكيد هو الأقوى.