يطرح الكثير من فلاسفة الروحانية الحديثة فكرة تحييد المشاعر والانتباه لها باستمرار بغية الوصول إلى اليقظة الكاملة. وهي فكرة فلسفية قديمة جداً تذهب إلى البحث عن خلاص الإنسان من معاناته اليومية بسبب تعلقه بأشياء مادية وأفكار ومشاعر كلها زائلة ولا تدوم. والوصول إلى هذا (الحياد) يتم عن طريق مراقبة الأفكار وإدراك طريقة عمل العقل وتفاعله مع الأفكار، وأيضاً عن طريق الانتباه إلى المشاعر والأحاسيس التي تدفعنا لنتصرف بناء على تأثيراتها في الوعي واللاوعي. والحقيقة أن إشكالية التعلّق بالأشياء والناس والأفكار بحر شاسع جداً، ومحاولة التخلّص من هذه التعلّقات تصبح معاناة أخرى يجب أن يصارعها الباحث في طريقه إلى التحرر الروحي. وقد لا يصل إلى هذه الحرية أبداً، وربما يصلها للحظات ثم يعود ليغرق في شبكة التعلّق من جديد.
عندما تجد راهباً معتكفاً في جبل لأيام طويلة، فإنه عملياً، يخوض في البحث عن هذه الحرية. عليه أن يجلس من دون حراك ويبدأ بالتركيز على منطقة صغيرة في جسده مثل أسفل الأنف، وأن يراقب الأفكار التي ترد للذهن بشرط أن لا يتفاعل معها، فقط يراقبها كيف تأتي وكيف تذهب. وعندما يشعر في جسده بآلام الجلوس الطويل من دون حراك، عليه أيضاً أن يراقب الألم الذي يتسرب للركبتين مثلاً أو الأكتاف وأن (لا يتعلّق) بفكرة أن يكون مع الشعور بالراحة أو ضد الشعور بالألم، أي أن يصل إلى الحياد في كل شيء. وتمتد هذه الفلسفة إلى بقية التعلقات بما فيها مشاعر الحزن أو السعادة، إذ إن الإنسان اليقظ لا ينجرف إلى هذا الشعور أو ضده، وإنما عليه أن يظل مراقباً لهذه الأفكار والمشاعر على الدوام.
فلسفات أخرى حديثة، بدأت تربط بين المرض العضوي والمشاعر، وهناك مدارس علمية وطبية استطاعت أن تضع قوائم طويلة من الأمراض التي يكون سببها الأول هو التعلق بشعور ما (سواء أكان إيجابياً أم سلبياً)، وتفرعت منها مدارس تجريبية أصبحت تبحث في العلاج بالموسيقى، وهناك أبحاث وتجارب علمية مؤكدة رأت أن كتابة الشعر أو قراءته يمكن لها أن تعالج الكثير من الحالات المرضية، وأن تحرر الإنسان من المشاعر والأفكار المضطربة.
طريق اليقظة الروحية طويل طويل. لا يكفي أن نفهم الفكرة، بل علينا أن نمارسها عن طريق الانتباه والتركيز على حقيقة أنفسنا، وأن نكتشف الكوامن والمشاعر التي تدفعنا إلى التصرف ورد الفعل في كافة تفاصيل حياتنا.