من يرغب حقاً في فهم فلسفة كرة القدم على أعلى المستويات، وكيف يطور من أداء فريقه، سواء في النادي أو المنتخب، عليه أن يتابع مباريات «البريميرليج» أولاً، فاللعبة في البطولات والمنافسات القوية، ليست مجالاً للاعبين الموظفين، الذين يؤدون مبارياتهم بمنطق رجل توجه إلى مقر عمله في الصباح الباكر، وينتظر نهاية الدوام، كي يعود إلى منزله وأسرته وإلى شاشة التلفزيون!
هناك مجموعة معقدة من التفاصيل التى تنتج فريقاً قوياً، إدارة لها أهداف واضحة، ومجموعة من اللاعبين أصحاب المهارات والقدرات الخاصة والمتنوعة، وجهاز فني يقوده مدرب يدرك ما يملكه، ويدرك ما ينقصه، ويدرك كيف يعوض ما يفقده، وتكتمل المعادلة بجمهور يقف خلف الفريق، وعندما استعان بيب جوارديولا بالنرويجي إيرلينج هالاند، كان المدرب الإسباني يعلم ما ينقص فريقه، الفائز بقلب «البريميرليج» 4 مرات في خمسة مواسم.. كان جوارديولا في أشد الحاجة إلى «آلة تسجيل أهداف»، إلى لاعب يتوج سيداً في منطقة جزاء الخصم، ويعتبرها منطقة إبداعه، ومرحه، وبهجته.
أرقام هالاند تتصاعد، فقد سجل ثلاثة أهداف في مرمى وولفرهامبتون ورفع رصيده إلى 25 هدفاً، و31 إجمالاً، عاد رجل «الهاتريك»، وهل كان بعيداً؟
 إنها رابع ثلاثية له، وأهدافه تبدو كأن طفلاً يلعب في حديقة منزله الخلفية لعبة التسجيل، وهذا هو «الهاتريك» الثالث له في موسمه الأول بالدوري، وسلوك هالاند داخل صندوق المنافس وتعامله مع الكرة، يعد في حد ذاته درساً لكل مهاجم يسوقه الحظ أو ظروف المباراة إلى دخول منطقة جزاء الفريق المنافس، ويستلم كرة من زميل، والدرس بسيط للغاية: «لا تستلم، ولا توقف الكرة، ولا تفكر، و لا تنتظر.. اركل الكرة أو اضربها برأسك».
بيب جوارديولا ليس فقط مدرباً لكرة القدم، لكنه رجل مثقف، يملك فلسفة في اللعبة، وأسلوباً في مخاطبة الرأى العام، فبعد مباراة مانشستر سيتي مع توتنهام، كان جوارديولا سعيداً بالعودة للمباراة والفوز 4-2، وقال: «سوف أنام الليلة كما الطفل، لكنني لا أحب أن نكون فريق الزهور السعيدة.. ففى الشوط الأول افتقدنا الشراسة الهجومية، افتقدنا الحماس داخل نفوس اللاعبين، افتقدنا الشغف والجري بلاتوقف، وافتقد ذلك جمهورنا، الذي غضب لتأخرنا بهدفين في هذا الشوط. هذا الأداء ليس ما نريده ولا ما أريده، الفريق بعيد عما كان عليه وعما يجب أن يكون عليه».
** خلال سبع سنوات لم ينتقد جوارديولا فريقه من قبل بهذه الصورة، لكنه يدرك مقومات وعناصر قوة أي فريق، فهي مجموعة معادلات معقدة، ومن يعمل في صناعة كرة القدم وفي تطوير أداء فريق عليه أن يدرس بعمق تلك التفاصيل.