بالأمس، كنت أقطع الطريق الطويل إلى حتا، السماء غائمة وممطرة، تمر أشجار السمر حولي مسرعة باسمة، تزداد اخضراراً كلما هطل المطر، يغيب الطريق عند اشتداد المطر، مساحات السيارة تعمل بقوة، أتعبها الماء ولكنها تعمل بصبر، يزدان الطريق ويبرق لامعاً، يحتضن الماء بفرح، بينما تصدح من راديو السيارة موسيقى عذبة تناسب الأجواء الممطرة، مقاطع من أغنيات فيروز «جاءت الشتويه.. شتي الدني» و«أساميهن» إلى أغانٍ شعبية إماراتية، تظهر الجبال العالية التي تنساب من أعاليها المياه إلى الطريق، المطر يصنع ستارة من لؤلؤ ممتدة سلاسلها من السماء إلى قمم هذه الجبال الباسمة والضاحكة بفرح للشتاء.
الشتاء حالة خاصة لا يناسبه غير الحب والفرح والانشراح، حتى وإن كنت وحيداً فإن المطر أجمل الأصدقاء والأحباب، صحيح أن الطريق يكون أكثر روعة وأجمل بوجود روح جميلة، أو امرأة تجاورك وتشعر بدفء وجودها، ولكن البديع أن تعشق الطريق، كل الطرق الطويلة تنتهي إلى نقطة الهدف الذي تسعى إلى بلوغه. الحياة طريق ممتد ونحن نملك الخطوات التي تسير بعزم لطي المسافات، كل الذين حملوا شعلة الحب والأمل أو النضال لم يفكروا في المسافات، طولها أو قصرها، فقط مدوا الخطوات على الطريق فتقلص الزمن والوقت تحت المسير/ المسيرة، هذا في الطرق الصعبة والشائكة، فما بالك بطرق الحب والجمال والفرح، وفي مدن كل مساراتها جميلة ومفرحة وزاهية. تغيب منطقة (المدام) ثم التعرجات والطرق التي تؤدي إلى كلباء ووادي القور، وحده الطريق يظل مثل خط المسطرة ممتداً جميلاً نحو حتا، تحيط بك الجبال العالية التي تستحم الآن في المطر، تلوح بحب الأشجار التي تسكن باطن هذه الجبال المبتلة بالماء/المطر، لامعة أوراقها مثل المرايا، مائلة أغصانها مع هبوب الرياح الجنوبية، في الأعالي تمر بعض الطيور عجلة في رفيفها، ولعلها تبحث عن مكان تستريح عليه، أو أنها عائدة إلى أعشاشها، حتى تلك القطعان من الماعز الجبلية تتغذى في منحدر الجبل باطمئنان شديد، لم تهرب من وابل المطر، ولم تجفل من الرعد والبرق، بل تستقبل تلك الحالة بهدوء شديد وفرح.
صورة رومانسية يصنعها المطر، حالة حب لدى الجميع. تأتي قرية مزيرع الهادئة الجميلة، لترحب بالمطر وبالفترة الزمنية الجميلة التي نعيشها الآن في الإمارات، وهي أجمل فترة ممطرة، غيم ومطر، هدوء وجمال يعم بلدنا العزيز. يظهر بيتي الصغير في بطن الجبل، تغمره المياه، تحتله الأعشاب التي نبتت عشوائياً، هو أمر يحتاج الكثير من العمل، هذا ما يصنعه الغياب الطويل دائماً. لا يهم، تكفي فرحة الشتاء والمطر، كم جميل هذا الفصل البديع في الإمارات، وكأن هذا البلد الجميل يزدان ويكبر فرحه في فصل الشتاء، وهو من أروع الفصول، خاصة عندما يكون ممطراً، مثل هذا العام الذي منّ الله علينا فيه بالخير والحب والسلام، وأنزل الغيث مدراراً.. عام جميل يستحق الفرح.. أيقظ المطر الأعشاب والشجيرات النائمة، بعث فيها الحياة والنمو، ازدانت الرمال والسهول والجبال، تغير لونها وظهر جمالها البديع، بعث الحياة والحب في كل شيء.. المطر عنوان لكل شيء جميل، قال فيه الكثير من عشاق الحياة والحالمين بالأمل القادم الجميل أجملَ العبارات والأشعار والغناء، لننظر إلى أنفسنا، وما يصنع ويبعث فيها المطر، والأجواء الممطرة. إنه الجمال والحب والعشق ومعنى الحياة البهيجه والسعيدة.