«هذا العمل لا يشبهنا».. كثيراً ما أسمع جملاً بذات المعنى أثناء التعليق على أعمال أدبية، وخصوصاً الروايات. عادة لا يكتفي أصحاب التعليقات هذه بإطلاق الأحكام فقط، بل يذهبون في رأيهم بتصنيف أنفسهم ومجتمعاتهم في مرتبة أعلى بعيدة كل البعد عنهم. في قراءة أخيرة، أعاد لي التعليق حولها ذكرى قراءات سابقة كانت من ذلك النوع الذي يسحبك بكل هدوء.. ليرمي بك في أعماق ذاتك، كتلك الروايات التي قد تتوهم في البداية أنها تخص آخرين في مكان آخر بعيد على الكوكب، فيما هي تعنيك أنت بالذات من دون غيرك، الروايات التي تصفعك بعنف وهي تضحكك من مواقف أبطالها!
بالتأكيد هذا لا يتأتى بسهولة، كونه يستدعي قارئاً صبوراً متأملاً باحثاً عن معنى الحياة ومغزاها. فالقارئ الحقيقي هو ذلك الشخص الذي يدرك جيداً أن الأعمال التي تعرض الاختلافات الإنسانية، إنما تقربنا بشكل كبير إلى بعضنا بعضاً، وتوضح لنا كم نحن متشابهون رغم كل القشور التي قد ندعيها ونتباهى بها أمام بعضنا بعضاً. ذلك النوع من القراءة الذي لا ينأى بنفسه ومجتمعه عن كل ما يقرؤه، هو القارئ الفطن الذي يريد أن يستخلص الحكمة والمغزى من وجود هذا العالم عبر قراءة أعمال الآخرين والتأمل في حياتهم.
عندما نقرأ هذا التنوع من الأعمال نتأكد أنه وفي رحلتنا قد نصر عبثاً على اختلافنا الكامل وتفردنا المبهر، بل وقد نفاجأ باحتمالية عداوتنا لآخرين لهم طرقهم التي يسيرون فيها، والتي هي في حقيقتها متشابهة بل ومتشابكة حد التطابق مع طرقنا! في تلك النوعية من الأعمال يمكن أن تكتشف نفسك في قصص الآخرين، في ثنايا انكساراتهم التاريخية وأحزانهم الآنية، ستكتشف لأي درجة تتشابه الحكايا وتتشابك المصائر وتتطابق النهايات، حيث الطرق المتفردة والتميزات المادية والأنساب الخالصة (وهْم) يصدقه الجهلاء.. فقط.