هناك شعوب لا مجال إلا أن تحمل لهم التقدير والاحترام وكثيراً من الإعجاب لما يفعلون ويبتكرون، ويدهشون العالم بأفعالهم، وما تصنع أيديهم، وتبتكر عقولهم، وهنا علينا أن نسجل كلمة في حق الشعب الصيني العظيم، مثلما سجل العالم من قبل إعجابه بسوره العظيم، وتعاليم «كونفوشيوس» الحكيمة، وابتكاراته القديمة؛ الحبر والقرطاس والبارود والصحف، اليوم.. الصينيون وحينما أنهوا حرب الأفيون، وقرروا التخلص من الاستعمار، وأحدثوا ثورتهم الشعبية الكبيرة، ومسيرتهم الثقافية، قدروا أن يعملوا تلك المعادلة بين وسائل الإنتاج وعدد السكان الذين يزيدون على المليار ونصف المليار نسمة، وعرفوا كيف يضبطون سوقهم الداخلي، والتصدير إلى أسواق العالم في انضباطية اقتصادية وإدارية، غير غافلين عن الثورة التكنولوجية والتصنيع الثقيل، والتوازن الاجتماعي وفق منظومة فريدة.
تزور الصين فتعجب من عدد المطارات وضخامتها وانسيابية حركتها، ترى الجسور الطويلة والمعلقة التي تربط حدود البلدان والتي تكون بين الجبال والتي تعلو البحار، وتقول: هذه هي الجسور! متانة وفن معمار وسرعة إنجاز ودهشة الإعجاز والإعجاب، ترى البنايات ناطحات السحاب، والأبراج الزجاجية طولاً وعرضاً وعمقاً، وتقول: يا لجبروت هذا الشعب، وما يصنع! الطرقات والشوارع والأنفاق في الصين عجب، وفن، وصلابة ومسافات، فلا تملك إلا أن تقول متى سينتهي هذا الشعب، ويتفرغ من الإنتاج وبث الدهشة فيما يصنع من سلك الحرير إلى مركبات الفضاء والذكاء الصناعي، تزور المصانع، فتجد الناس مثل صوامل و«براغي» تتحرك ضمن حركة آلة إنتاج كبيرة، لا تتوقف، الفن لديهم مختلف والرياضات لديهم مدهشة، والصناعات لديهم متنوعة، والابتكارات لديهم متجددة ومتطورة، يتحايلون فيها على الوقت والمساحة والحيز والقدرة الشرائية والمسافات، لذا لا عجب أن تجد أكثر جملتين يستعملهما العالم بأسره صباح مساء، «آي لاف يو» و«ميدن إن تشاينا»، وقد لا تعد نكتة تلك التي تتعلق بتحدي «ماسك» الصينيين بأنهم لن يستطيعوا أن يصنعوا سيارة «تسلا» الكهربائية، فصنعوها، وصنعوا بجانبها نسخة من شخصية «ماسك» نفسه، لا أحد يستطيع أن يلعب مع الصين، صحيح أنهم يتحلون بالحكمة والصمت والعمل الدؤوب، لكنهم حين يُستَفزون، لا يردون بالصراخ والغضب واستعراض القوة، فقط يكون ردهم ما يخرس الجاهل، ويدهش العالِم، هم يفعلون.. ويفعلون كل شيء بنجاح فقط.
ومن خلال زياراتي للصين، رأيت ما يضحك القلب، ويدهش الرأس، ويعقد اللسان، قد تكون أشياء بسيطة، لكنك لن تجدها إلا في الصين، سكنت مرة في فندق في مدينة «تشينغهاي»، وكان الاستقبال أو «ريسبشن» الفندق في الدور 54، ومرة سافرت من مدينة، وكان المطار يبعد عنها 160 كلم، ومرة كنت في مدينة «تشيان» العاصمة التاريخية، وهي مدينة ليست بالكبيرة، وسألت كم جامعة فيها، فقالوا لي: «فورتي»! فاستثقلت الرقم، واعتقدت أنني سمعته خطأ أو أن المرشد السياحي الصيني لفظه خطأ، فقلت «فورتين»! واعتقدت وكأنني أبالغ فيه، فردوا عليّ: لا أربعين جامعة! ومرة أخذوني إلى مطعم يقدم الوجبات الحلال، وحين وصلت إلى عمارة كبيرة نزلت، فاعتقدت أن المطعم في تلك العمارة الكبيرة ذات الطوابق الكثيرة، والتي تشبه فندقاً ضخماً، فتساءلت أين يقع المطعم في الدور الأرضي أم في الدور الأخير؟ فجاء ردهم مباغتاً وصادماً: هذه العمارة كلها مطعم!