مدن خلقت من أجل الحياة، بدأت من نور مضيء، ربما من حكاية جميلة تجذرت في التاريخ، وبوهج جميل نمت في نسيج الزمن، حتى عكست مؤثرات مجتمعية لها قيمها الإنسانية الرفيعة ولها آفاقها الحضارية بين الأمم. تضيء المدن بمنظومة وتتآلف في تجانس ضمن واقعها الجميل وجوهرها الرفيع في إطار مفهوم التواصل الوجودي.
مدن عربية ربما مختلفة الأنساق، جميلة الانتساب للغة والدين والمكونات الجميلة، وفي حضورها سحر معرفي وثقافي، مدن ذات صلة بنسيجها المتأصل في تاريخها وبثقافتها، إذ هي عريقة بكياناتها الحضارية والجغرافية، لا تختلف كثيراً عن بعضها بعضاً، لكل مدينة طقوسها اليومية المتوارثة، حبلى بتآلفها الروحي، وهي تحفل ببساطتها، وبحراكها المعرفي الجميل نحو الحياة بأيقوناتها الثقافية المختلفة والمؤثرة، إذا مسها الفرح تشعل شموعها الليلية، تستوحي من أحلامها السلام والوئام.
مدن يتجلى فيها الكثير مما يلهمها الحياة، وما تبتكر لنفسها من ريادة وتقدم في تجددها وحضورها. هي مدن أصيلة تطل على نافذتها التاريخية، ومساحاتها الجغرافية تنشد السلام، لتستمد من روحها الجمال الكوني، لتلهم بإرثها المفعم بالدهشة، الناهض منذ زمن بعيد بالفنون المستوحاة من ذاكرة الحياة.
مدن ذات ملامح من فصول الازدهار المشبع بالفكر والثقافة وكثير من الاختراعات الخصبة والدراسات الكونية التي فطرت عليها الحضارة، مدن ما زالت تدشن تاريخ المسرح والسينما ومعارض الكتب، مدن تنثر فرحها على الوجد، ترى لوحاتها الفنية النادرة التي ترمي نحو العمق الإنساني، فلا شيء يضاهي الثقافة باحتفائها بالحياة.
مدن منشورات الشعر والرواية، منذ عهود بعيدة تكتب واقع أحلامها المختزلة للحياة وتصورها بتجلياتها وعبقرية كتابها بامتدادات لها حضورها في الذاكرة: الجواهري والسياب ونازك الملائكة والماغوط، وطه حسين ونجيب محفوظ، مروا من خلالها وتوهجوا بأحلام الكتابة، وسواهم من كتاب القصة والرواية، يمزجون الصور الأدبية ويعيدون للمدن حكاياتها وطقوسها، وينسجون للمكان روعته، والشعراء بقوافيهم التي تشرع بحور الشعر وأطيافه نحو أعماق المعنى وجزالة القصائد وألحانها وروض عبقها، حيث تستبشر بالقادم الجميل من الحياة.
مدن عربية تنتعش بالسلام والهدوء، مملوءة بالحنين للود وللرؤى وخفايا التألق وانبهار الفرح، تعلوها الشهية بالحياة بهذا الحب الآسر للمعرفة، تكتشف ملاذها، تستيقظ على وله الذاكرة، تستأنف الحياة على رؤى أبوابها المبصرة بمدارات الجمال الحياتي والكوني بصوره المختلفة، تقترن برونق زاهر، وحدها تصبو نحو الحلم، تجدد الرؤى المؤثرة بازدهار القيم وموروثها، إنها معزوفة من الجمال الساكن في الأرواح، منظومة من الحقب الزمنية تطل بسحرها وألقها الملهم.