في طفولتنا كنا نسمع دائماً أمثالاً يقولها الكبار، مثل «ما ودر عشاه إلا في علةٍ في حشاه»، ويجيب عن ذلك المستمع قائلاً: «اللي عوقه من بطنه وين بتيه العافية»، كانوا يسولفون وتلك الأمثال تقع ضمن الصور والكناية والتشبيه والاستعارة والدلالات على قوة الوصف. أين هي تلك الأمثال الآن؟! لقد أصبحت مثل البرقع مباركة كأولئك السيدات الوقورات اللاتي يلبسنه بفخرٍ واعتزاز ويقينٍ بجمالهن وجمال الموروث الخالد. في تلك الأمثال رمزية وثقافة واحتواء، فالمثل الأول يصف الشخص الذي عاف الطعام لأمرٍ نهب شهيته للأكل، وجعل من القلق أولوية، ويعالج المثل الثاني ذلك بأن يسلط الضوء على مصدر العلة، وفي ذلك التشبيه ما يؤكد أن الألم صادر من البطن الذي قد يكون المعدة أو الأبناء. ولذا يقولون: إن «اللي في بطنه ريح مايستريح»، والريح هنا قد يكون عارضاً مرَضياً، وقد يكون حديثاً مكتوماً لابد من البوح والإشهار به حتى يتخلص المرء من أوجاعه.
كانت الأمثال الشعبية أسلوب حياة تكمن في مخزونه مفاهيم متناقلة عبر الأجيال، وشفرات وتصورات واختصار حكيم لقصصٍ ومواعظ في جملة قصيرة. إن دورها في الحياة يتجسد في الحوار واللقاء مع أفراد العائلة الواحدة أولاً والمجتمع المفتوح فيما بعد. أقول ذلك وهناك ممارسات تتلاشى شيئاً فشيئاً في بعض الأماكن والبيوت، ومنها عادة «الأكل من طبق واحد»، التي أرى فيها الكثير من التقارب العاطفي. كنا نفرش السماط، ونتناول الطعام جلوساً على الأرض، وحتى بعد دخول طاولات الطعام بيوتنا اعتبر البعض الجلوس عليها «تكبراً على النعمة»، فإن وجدت في بعض البيوت يصرُّ البعض الآخر على الجلوس أرضاً للاستمتاع بالعيشة (الطعام). وبعد الغداء عادةً ما كنا نلقط حبات العيش المنثورة هنا وهناك، فقد كان من المحرمات علينا أن نجمعها باستخدام «البروش أو المكشة»، بل يجب أن نجمعها بأصابعنا وبعناية. الحديث هنا عن مكونات القيم والسعادة والجمال وإن حثتنا جائحة «كورونا» على الأكل فرادى.. المهم «اليمعة» والتعلم الذي يكون عادةً من القلب وبلا شروطٍ أو قيود.
للعارفين أقول: على مدى السنوات الماضية كنت أسأل الشباب عن معنى كلمة «طرفشانة» وقد تخطى عدد الأجوبة الخاطئة الألف، فما بالكم بالأمثال؟! ولذا نتطلع لأن يكون عام الاستدامة هو العام المجيد الذي نشمر فيه عن سواعدنا، ونقف جميعاً مع قيادتنا وإخوتنا في المجتمع لتحقيق الخطة الاستراتيجية الرامية للحفاظ على الموروث واستدامته، وبصراحة فجمال هذا الإرث وقيمته الحضارية يحتمان علينا ذلك من دون تردد أو تأخيرٍ أو تأجيل.