بصرف النظر عن أن كرة القدم ما خلت في كل أزمنتها من مفاجآت أبطلت مفعول المستحيل، فإننا ونحن نتقدم لمباراة الأهلي المصري أمام ريال مدريد في نصف نهائي «الموندياليتو»، وحتى لمصافرة الهلال السعيد، وهو في يوم عيد، للملكي العنيد برسم نهائي الأحلام، ما جزمنا بالمطلق أن سيد قارته والملك المتوج على قمة العالم، يمكن أن يسقط في هذا «المطب» أو ذاك، فالفوارق في المرجعية والهوية، وحتى في الملكات والجينات المهارية لا تسمح أبداً بعقد المقارنات، ومع ذلك تمنطقنا بالأمل مهما كان ضعيفاً، وقصدنا المواجهتين معاً بمجمع الأمير مولاي عبد الله برباط الأنوار عاصمة المغرب، نمني النفس بحصول «المعجزة».
ولأن ريال مدريد هو فريق البطولات الكبرى، وهو أيضاً الفريق الذي يلعب النهايات ليكسبها، فما أعاقته الغيابات الوازنة لعديد إطاراته البشرية، لكي يضرب الأهلي بالرباعية والهلال بالخماسية، ويقدم ملمحاً مما نسميه بـ «السهل الممتنع»، دليلاً على المسافة التي ابتعدت بها الأندية الأوروبية العملاقة عن أنديتنا العربية قبل عقود من الزمن.
وجدت من يقول بعد مباراة الريال والأهلي، إن سقوط نادي القرن بأفريقيا برباعية أمام سيد الكرة العالمية الريال، لا يعبر صدقاً عن مكنونات ومحتوى المباراة، والقصد أن الأهلي قاوم إعصار الريال لأربعين دقيقة، بل إنه كان قريباً في ذاك الزمن المقدر من زيارة مرمى الملكي.
والشيء ذاته قيل والهلال يسكن ثلاث كرات في مرمى لونين حارس الريال ويستقبل خمساً، وفي المباراتين معاً ما يقدم تفسيراً تكتيكياً لهذا السهل الممتنع الذي يجري الاشتغال عليه منذ زمن طويل، هو مثل الشعر الجميل الذي يحفظه الناس ولا يستطيعون نظمه، فما كان سهلاً على لاعبي الريال بناؤه من جمل تكتيكية تنتهي كلها نهايات سعيدة، كان صعباً على لاعبي الأهلي والهلال، لطبيعة وخامات اللاعبين وللأنساق الفنية والبدنية التي تعودوا عليها، والتي لا تسمح إطلاقاً بمجاراة الإيقاع المرتفع، أو بالسلاسة في تصميم الجمل التكتيكية، ووضع أجمل الخواتيم للبناءات الهجومية، وهي رسوم يجري الاشتغال عليها لفترات طويلة، ويكون التمهيد لها بتكوينات علمية وعميقة للاعبين.
وتأكد مما شاهدناه في الطبعة التاسعة عشرة لـ «الموندياليتو»، أن الكرة العربية التي وضعت مجدداً في المحك، وهي تقابل فريقاً بعراقة وشموخ ريال مدريد، لا تقف برغم كل شيء بعيداً عن كرة القدم الأوروبية، أو لنقل أنها اجتهدت بقدر معلوم لدينا في ردم الهوة التي تفصلها عن كرة القدم المستوى العالي.
وفعلت ذلك بنسب متفاوتة طبعاً، بعد أن باتت الاحترافية والحوكمة أساسين للتدبير الفني والرياضي قبل الإداري، ولا أرى سبباً لأن تحيد عن هذا الطريق، أو أن تبطئ سرعة السير، لأن ورش بناء قاعدة قوية للهرم الكروي ليست سوى في بدايتها.