يوم الاثنين الماضي كنت أشاهد كعادتي قنوات التلفزيون، فرأيت ضمن الأخبار أن الدول الأعضاء في منظمة اليونيسكو أعلنت يوم 13 فبراير من كل عام يوماً عالمياً للإذاعة. لحظتها شعرت بالبهجة وعادت بي الذاكرة إلى سنوات صباي، حيث كنت أنصت بعد منتصف الليل حين تنام عائلتي إلى «إذاعة الشرق الأدنى» التي تنبعث من الراديو «فيلبس». 
تلك الإذاعة كانت من روافدي الثقافية المهمة. فقد كانت برامجها المسائية تتنوع بين الأدب والفن والموسيقى وكتب التراث العربي والعالمي. ومنها تعلمت حب الموسيقى الكلاسيكية. وعرفت بتهوفن، موزارت، باخ، شوبان، ريمسكي كورسكوف، تشايكوفسكي، بيزيت، فرانس ليست، وآخرين. حتى إنني شغفت بالموسيقى وتمنيت أن أتعلمها. وحين تمكنت فيما بعد من شراء أسطوانات تلك الموسيقى وشراء الجرامافون، كي أستمع للموسيقى كل مساء. ورغم عثرات العمر والتنقل كنت أحمل الأسطوانات معي أينما سكنت. كما أذكر أنني اشتريت بيانو وجيتاراً، ورغبت في تعلم العزف على البيانو والجيتار. ومن غريب أمري أنني لم أتمكن من تعلم العزف إلى اليوم، رغم أن البيانو ما زال في غرفة الجلوس! 
كما أنني بواسطة تلك الإذاعة عرفت الكثير من كتب التراث العربي مثل: معجم البلدان لياقوت الحموي، وأعمال المقريزي، وابن خلدون، وابن رشد، والفارابي، وابن سينا، والعقد الفريد لابن عبدربه. وكانت الإذاعة تبث ملخصاً مختصراً للكتب. فقد شغفت بها. وكانت لكتاب «العقد الفريد» قصة طريفة، فقد كتبت اسمه على قصاصة من الورق وأعطيتها لخالتي لتشتريه لي حين نزولها للسوق، ولكنها عادت لتقول لي إن الكتاب كبير يتكون من (3 أجزاء) وثمنه 150 روبية، وكان مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت، ولم تستطع شراءه. وظل هذا الكتاب حلماً لم يتحقق حتى ذهابي إلى الجامعة حيث اشتريته. كما أذكر أن مديرة المدرسة اللبنانية «زينب عيدو» رحمها الله، حين كنت في الابتدائية، كانت قبل سفرها في نهاية الفصل الدراسي، تستدعيني لتسألني أي الكتب أريد، فكنت أدون لها أسماء الكتب التي كانت تبث من الإذاعة. وربما وجدت فيّ تحققاً لجزء من حلمها فقد كنت بفضل القراءة المكثفة في كل أنواع الأدب، متفوقة دائماً. ثم صارت مع عملي كمدرسة بعد تخرجي مقدرة مادية، تمكنت بها من شراء أكثر الكتب التي ورد اسمها وتعريفها من تلك الإذاعة. ولأن تلك الكتب كانت ترافقني حيث ما اتجهت خطاي من بلد إلى بلد، ومن مسكن إلى مسكن، وما زال بعضها على أرفف مكتبتي! فشكراً لمنظمة اليونيسكو التي أيقظت ذاكرتي بتخصيصها يوماً عالمياً للإذاعة!