إن جامل ريال مدريد برشلونة أمام الملأ، فإنما يفعل ذلك متحاملاً على نفسه، وإن أبرز «البارسا» أنيابه، ليس معنى ذلك أنه لـ «الملكي» يبتسم، فما كان من عداوة بين كبيرين نزالهما يمثل حدثاً كروياً كونياً يُلقب بـ «كلاسيكو الأرض»، أكبر بكثير من أن تختزله هذه الزاوية، فالناديان يخوضان في السر والعلن حروباً طاحنة، إن كان على المستوى الرياضي، أو على الصعيد الاقتصادي، فلا أحد يفرح بألقاب الآخر، ولا أحد منهما يتودد للآخر، فإن أعلنت هدنة بين الحين والحين، استعرت الحرب بينهما في الكواليس، حرب التصريحات وحرب المواقع.
صحيح أن الناديين ما حققا هذه الشهرة محلياً وأوروبياً وحتى عالمياً، إلا لأن بينهما هذه المنافسة الشرسة، بل والطاحنة التي تجعل «الليجا» بوجودهما تحاكي القمة، إلا أنه كان من الصعب أن نعثر لهما على لحظة وفاق وتوادد قبل أن يشهرا معاً مشروع «السوبر ليج» المختنق، مشروعاً يعضان حتى الآن عليه بالنواجذ.
قبل أيام شغلت الناس بإسبانيا، قضية ما بات يعرف بـ «نجريرا»، والتي كشفت عن تورط برشلونة في تقديم رشوة تقدر بسبعة ملايين يورو، خلال 15 عاماً على الأقل لخوصي ماريا إنريكي نجريرا الذي شغل بين 1994 و2018 منصب نائب رئيس لجنة التحكيم بالاتحاد الإسباني لكرة القدم، مقابل الحصول على تقارير عن الحكام.
لم يتورع خافيير تيباس رئيس رابطة الأندية الاحترافية بإسبانيا، عن الانقضاض على الفرصة، ليزيد في تأجيج الحرب على برشلونة، حليف ريال مدريد في إطلاق «السوبر ليج»، فسرب للصحافة خبراً عن البحث والتقصي اللذين ينجزان، وجهر بتقديم كل المساعدة لفريق التحقيق بمده بما يحتاجه من وثائق، ثم دعا الأندية المنضوية وهي بعدد 42 نادياً، لاستصدار بيان يدين الفعل ويدعو إلى تعميق البحث في القضية التي تمس في الصميم صدقية ونزاهة «الليجا»، إلا أن البيان خلا من توقيع ناديين فقط، هما برشلونة بالطبع وريال مدريد الحليف والغريم، الصديق والعدو.
بالقطع ما فعل ريال مدريد هذا الذي فعله، عن اقتناع ببراءة برشلونة، أو حفظاً للتوازنات الرياضية في دوري يستمد جماليته من تنافسهما الأزلي، وما فعل ذلك بفروسية من يرحم عزيز قوم ذل، وإنما فعله لأنه يؤمن أنه لا خير في حليف، إذا لم يظهر تضامناً مع الحليف في وضعيات شائكة مثل هاته، ولأنه يعرف أن إكسير الحياة لن ينقطع عن المشروع الضخم، مشروع العمر الذي هو «السوبر ليج الأوروبي»، ما دام الود حاضراً في المشترك، برغم اختلاف الأحلام وتباين الطموحات وتضاد المسارات.
أي سحر هذا الذي يملكه «السوبر ليج» الأوروبي، ليجعل من أكبر خصمين، أكبر صديقين في العالم؟، ليجعل برشلونة وريال مدريد مثل الخبز والملح لا يتقاتلان، كما يقول المثل الروسي؟