تدركون كم كانت معاناة الناس قديماً في الحصول على المعلومة السريعة والجاهزة ومسبقة الصنع، لا كما هو الحال الآن مع العم «غوغل» أو صديقتنا «الإنترنت»، كان الناس قديماً يرسلون أسئلتهم إلى بعض البرامج التلفزيونية المتخصصة، فالذي يرغب بسماع أغنية أو يرغب في إهدائها لحبيبته، يرسل رسالة للإذاعة أو التلفزيون لبرنامج «ما يطلبه المستمعون» أو «ما يطلبه المشاهدون»، ويظل ينتظر أسبوعاً وشهراً لكي يلبى طلبه، ويسمع تلك الأغنية ويفرّح حبيبته التي في خياله، والتي ربما ليست حقيقية أو هي بنت الجيران التي ولا على بالها، ولا تسأل عنه أو تعرف معاناة الحبيب، والناس الذين تهمهم الفتاوى في دنياهم ولأجل آخرتهم يكاتبون أحد الدعاة الذي حظي ببرنامج ديني أسبوعي في الإذاعة أو التلفزيون، ويظل يفتي لهم حتى في حكم إعراب حتى، بالمقابل كانت هناك برامج ثقافية ومسابقات في المعرفة والمعلومات العامة، مثل برنامج «سين جيم» لشريف العلمي، والذي كان يقدمه تلفزيون الكويت، وبعدها قدمه تلفزيون أبوظبي بالمقدم نفسه، لكنه كان نسخة من الأصل، وبرنامج «سئلوا فأجابوا»، وبرنامج «من هو القائل» وبرنامج ليلى رستم «بين الحقيقة والخيال»، وغيرها من التمثيليات والمسلسلات التي تعالج القضايا الثقافية والمعرفية والفنية، مثل الفوازير ومسابقات رمضان، وفي الصحف كان بريد القراء أو لكل سؤال جواب، وغيرها من الأبواب التي كانت تفيد، ولكن بمعلومات متباطئة، كان الإعلام التقليدي بوسائله القديمة، هو المعلم لكثير من الناس في زمنهم غير البعيد.
اليوم.. المعرفة متوفرة، وببذخ، وسيل المعلومات متدفق، ويكاد لا يتوقف، والناس تبحث بسهولة ويسر، وبوقت سريع جداً، ليس هناك انتظار أو حجب أو رقيب يمكن أن يوجه المعلومة حسب العقيدة والانتماء، الخيار اليوم متاح ومتعدد، لكن عليك أن تحكّم عقلك، وتنتقي، فالغث أكثر من السمين، وهناك الكثير من المتطفلين، والكثير من المستغلين والكثير الذي يريد أن يسوّق لنفسه وبضاعته وحتى مبادئه، لكن رغم كل ذلك، علينا أن نقرّ أن «الإنترنت» هي المعلم الأول اليوم، ولا نقول المربي، وفيها كمّ من المعلومات، والمعلومات المتخصصة، بحيث يمكن أن تقضي يوماً كاملاً من البحث والاستقصاء والإقصاء، فلو بدأ بحثك عن «فص» الثوم وأنواعه وفوائده الطبية وأول من استعمله في الدواء، ورموزه في الأساطير والحكايات الشعبية، فسينتهي بك الأمر إلى القراءة في تاريخ الفراعنة، مروراً بحضارة الصين، وستقترح عليك «الإنترنت» التمعن في قصيدة شاعر أصابه الملل والضجر حد الكسل فنظم قصيدة عصماء في «فص الثوم»، وعارضه آخر بقصيدة تهكّمية، وستعرّج على حرب البهارات، ودور الثوم الحاسم في تلك الحرب، وفوائده في صناعة المواد التجميلية، ولماذا يعلّق على الأبواب عند بعض الشعوب! وستظهر لك جمعية المحترقين والمستحقرين في الأرض، «الحمار وفص الثوم»، وشعارها أن هذين العنصرين من روافد الحضارة الإنسانية، ونفعت الإنسان عبر عصوره، لكنه لا يحفل بهما، ودائماً مذمومان، وهكذا هي حكايات الشبكة العنكبوتية تظهرك من سهل لترميك في وادٍ، هذا غير المواضيع ذات الصلة والتي عادة ما تذيل بها المواقع، وهذه شبكة معقدة وعنقودية، وستتعب في تقصّيها.
اليوم «الإنترنت» تشرح لك الداء وتصف لك الدواء، تدلك على عروسة المستقبل ومواصفاتها بالصوت والصورة والألوان، «الإنترنت» هي من تجعل من صبي في المرحلة الابتدائية يعرف عن «جورج واشنطن» أكثر مما يعرف عن شخصيات وطنه التاريخية، بحكم ما فيها من وفرة وتغذية للمعلومات عن «جورج واشنطن»، وكسلنا نحن العرب في توفير المادة التي تخصّنا وتحميلها على هذه الشبكة العالمية التي غدت معلّمة العالم الجديدة.