ليس بالضرورة حين نتحدث عن البيئة السامة نذهب مباشرة لأشياء تخص بيئتنا، وتلوثها، ومحاولة المحافظة عليها صحيّة ونظيفة وخضراء، ونمنع عنها كل ما من شأنه أن يجعلها بيئة غير صالحة للحياة، ولا استمرارية استدامتها، البيئة السامة هي تلك البيئة التي يخلقها الناس حولهم، وحول محيطهم في العمل أو الجوار أو حتى فيما بينهم كأهل متباعدين أو حتى في المنزل الأسري، بيئة غير صالحة للعيش والتعايش لأن النفوس فيها متنافرة، وربما من دون أي أسباب، فالكثير من الشحناء وتربية الأحقاد والغيرة المريضة، وتغيير مسارات الحب لأجل مسببات بسيطة، وحروب صغيرة، يمكن تلاشيها أو دفعها لمكان أرحب وأخضر حتى تطيب النفوس، لكن يأبى الكثير إلا التنفس في تلك البيئة السامة، لأنها المكان الذي يليق بهم وبأفعالهم وأفكارهم المريضة.
البيئة السامة قد تكون من مسبباتها التنمر الاجتماعي، فلان ليس أحسن مني، وفلانة لا تستحق هذه الوظيفة التي هي أكبر منها، ولولا وساطتها لما وصلت إلى ما هي عليه، وفلان لديه خمس وظائف كيف يمكنه أن يلحق عليها كلها، وبعض من الذين ينقشون في البيئة السامة تجد في يده آلة حاسبة، ويحسب مداخيل فلان، وكم تدر عليه عضوية مجالس الإدارة، وكم يظهر له في السنة من مكافآت إضافية، غير بدل مهمات السفر إلى الخارج، وتفاصيل لا تدري ماذا سيكسب من ورائها، ولمَ يسخر كل طاقته لشيء غير نافع له، ولا يكتفي، بل حين تظهر لديه الأرقام يشيعها في الناس، وبين زملاء العمل ليربي أحقاداً علها ترضي نفسه المتعبة والمريضة.
البيئة السامة يغذيها شخص يغار من النجاح والناجحين، فيقوم ينحت في سيرة الناجح والناجحة من زملاء عمله، وينبش في سيرهما الذاتية، وأسرار في حياتهما، مستعد أن يتبلى عليهما بالغش والتدليس والكذب، ويزور حقائق، طبعاً من خلف ظهريهما، ويسربها بطريقته الماكرة، لكي تصل إليهما، ويقلب مزاجهما، المهم عنده أن لا تكتمل سعادتهما، وأن يسرق فرحة نجاحهما.
البيئة السامة معطلة للعمل، ولمزاجية الإبداع، وتنتقص من أجواء المحبة التي يجب أن تسود الناس، وتعطر أيامهم، وتجعلهم أكثر تحفيزاً للإنتاج، وطرح المفيد لهم، المشكلة أن أصدقاء البيئة السامة هم من تراهم في الصورة، ويتقافزون من وظيفة إلى أخرى، ومن بيئة إلى بيئة أخرى، لهم أصوات كالثغاء، وعلى استعداد أن يضحوا بوقتهم من أجل الخراب والشر، وغير مستعدين أن يمضوا في الصلاح والخير.
هل من سبيل أن ننظف بيئتنا وبيئة محيطنا وما حولنا من هؤلاء المضرين بها، لا أعتقد أن الأمر بهذه السهولة، فليس كل الأمور تسير بالنيات الحسنة، وبالكلمات النافعة، فلكي تجعل حقلك أخضر عليك أن تجتث الكثير من الفطريات وما ينبت في الأحراش من نباتات ضارة، وهؤلاء يمشون يتبعون الشرر والضرر، يتهالكون من أجل التلوث البيئي، بالتأكيد عدوهم الأول اللون الأخضر، واللون الأبيض، الأول لا يعيش في بيئتهم السامة، والثاني لا يبقى طاهراً وهم موجودون، وفرحتهم حين لا تكتمل الأمور، وحين تتعطل عجلات النجاح، وحين تنكسر نفسية شخص ما، ولو كان شخصاً مسالماً، وتتساوى عنده الأشياء، ولا يعرف الضر، ولأنهم بعيدون عن النظافة يريدون باستمرار استثمار نقيضها والصاقها بالناس من باب من ساوى نفسه بالناس فما ظلم، ما أتمناه في عام الاستدامة أن نحرر بيئتنا من أصدقاء البيئة السامة.