-    «الأوروبيون الآن ما يتعايزون، إن كانوا في مدينة مزدحمة أو كانوا سياحاً يتجولون، لا بينتظر الواحد منهم باصاً، ولا بيخسر فلوسه على سيارات الأجرة، ولا بيتم يسب الازدحام المروري، تلقاه يشيل معه أحذية (أم تواير) أو يحمل لوحاً زلّاقاً، تقول حامل كنانة أسهم، ورايح يحطب، ويوم يريد يوصل مكاناً حطها تحت رجليه، وخطف عليك مثل البرق، نحن وين نقدر عليهم، ترانا ربشة وعفسة، وزار وكندورة وغترة وعقال ونظارة شمسية تقليد، و(موبايلين)، تقول الواحد رايح يخطب، ما ساير يتمشى أو بيقضي شغلاً»!
-    كل شيء تغير في الدنيا، وتبدل في الحياة، شوفوا الموسيقيين الأوليين، أسماؤهم ترعب، «باخ، وهاندل»، وشوف أسماء موسيقيّ الوطر الجديد، أسماء ناعمة، رطبة، تقول من مشتقات الزبدة، شوف وجوه الأولين ترعد رجولة شوارب ولحى، تقول جنرالات في جيوش غازية «تشايكوفيسكي، فيردي، شتراوس، كورساكوف» تلقى اللحية مازرة الوجه، والشوارب يعلق فيها الواحد كمانه، وشوفوا موسيقيي وطرنا الذي صدره مفتوح، والذي الكحل تارس عيونه، والذي زالغ كل شعر جنبه، شفتوا كيف الدنيا تغيرت، وتأنثت.
-    الروس لا يرضيهم إلا الأشياء الكبيرة والضخمة كجثثهم وقاماتهم الفارعة، يعني الروسي إذا صنع لك ثلاجة بتترس المطبخ من كبرها، لكنها بتظل تشتغل سنين ومنين، ولو كانت تصلاها الشمس الحارقة، وإذا ما تعطلت، يمكن برفستين تشتغل من جديد وتبرّد، والروس يوم يتجبرون ويبالغون في حياتهم، تجدهم يحولون مطاراً من مطارات الزمن القديم، زمن الحديد إلى مول تجاري في الزمن المتماهي الجديد!
-    الحين.. التي ربت وشقت، وشالت سبعة أولاد في بطنها، وكرست حياتها لهم، وإعدادهم للوطن، ألا تستحق حتى راتب سكرتيرة شغلتها ترتيب ملفات، والضحك للمدير لتفريغ شحناته السالبة، والرد على التلفونات الواردة والصادرة، أيهما أهم للوطن؟ «مودموزيل تالا»، وإلا الغالية سهيلة، واحدة تتحمل مزاج المدير وانفعالاته، وندفع لها الكثير، وواحدة تحمل الضنى، وتكد العنى، ولا ندفع لها أقل القليل، وتحسبون فلوس سهيلة بتسير بعيداً، ترا كله في بطون عيالها وتربيتهم، لابد من راتب للأمهات المنجبات أو مكافأة شهرية تقاعدية للقاعدات المستقرات في البيوت، وكل شغل البيوت على رؤوسهن، والتربية الصالحة والوطنية منهن؛ لأن إذا حقّت من عينها فلن نجد «مودموزيل تالا»، وحدها الغالية سهيلة هي الستر والغطاء، وهي الأرض التي ما بارت يوماً، فهل نسترخص فيها ومن أجلها راتباً ولو كان نصف ما تأخذه «العزيزة تالا»! 
-    «في ناس تخصص اصطياد الأشياء، والناس في غفلة، واحد يظل يتابع ما يخلي سيارة مشطوبة، سيارة في الحجز للبيع، سيارة مرهونة لبنك، ويريد يفتك من بلائها، إلا واشتراها، عجلة قليلة الاستعمال لجرافة، يشتريها لوقت الحاجة، مولد كهرباء يعمل بالديزل من مخلفات شركة بناء أفلست مبكراً، ما يفوته، كله يخطف عليه ويشتريه، وأنا والله لو يعطوني إياها ببلاش، ما أعرف وين أوديها، أو وين أخزنها! وبأبتلي بها بلوى، بس.. في ناس شاقية نفسها، بس تعرف كيف تُصرّف أمورها، بس.. مثل هذا كيف تقنعه أن هناك حفلة استثنائية لفرقة «أوركسترا فيينا الفيلهارموني»؟!