-    قد نلتقي، وربما نفترق، أحياناً نترك أثراً في النفوس، وحيناً يكون لرحيلنا ضجيج الريح، وحيناً آخر نمر مر السحابة، لا ريث ولا عَجَل، إن لم تمطر، فما أضرت الرؤوس، قد تتقاطع الخُطى، وتفترق الدروب، وتشرّق أنت، ويغرّب صديقك، لكن الظلال وحدها التي تبقى حارسة للوقت الذي مضى، ومؤنسة المكان الذي كان شاهداً على تلك اللحظة الإنسانية التي كانت في البدء تحجل نحو براءة الأشياء.
-    الأمر الوحيد الذي لا يمكنك أن تراهن عليه هو العلاقات الإنسانية، ومسارها، وتقلباتها، لأنها مرتبطة بالنفس البشرية التي لا تعطيك لتقلبها معنى، ولا تبرر لك تلك المحبة والشغف الذي حدث فجأة، ولا ذلك الجفاء الذي حلّ دون أن يدري طرف واحد على الأقل.
-    غريبة علاقة الناس ببعضهم: منها علاقة الأخوة والصداقة والمصلحة، ومنها رفقة العمر، ورفقة السلاح، ومنها رفقة السفر، والزمالة، بعضها يبقى ويتطور، وبعضها يدفن بعد ساعات، وبعضها الآخر يبقى يراوح بين مد وجزر، ترى من أي صلصال عجنت علاقات البشر؟! 
-    أحد منهم تلتقي به في محطة السفر، وقد تودعه بعد ساعات بعد أن تتبادلا المعلومات غير الضرورية والسريعة، وبطاقات التعارف، ثم ينسى كل منكما صورة الآخر، وتغيب تفاصيل الوجوه في محطة الافتراق!
-    أحد منهم تلتقي به في مقهى أو مشرب، وقد يبوح كل منكما بأسرار وتفاصيل يريد أن يتخلص منها، ومن ثقلها ذلك اليوم، أو يريد أن يتطهر من رجسها الذي يلازمه أبد دهره، وبعدها تتوادعان، وقد لا تسمح الظروف ولا المدن الكثيرة بلقاء يجمعكما، مثلما جاء ذات يوم فجأة!
-    أحد منهم تلتصق به سنوات معدودة من فترات العمر، قد يكبر هو، وقد تبزّه أنت في دروب الحياة، وتكتشفان فيما بعد أنكما ما عدتما تصلحان لأن تترافقا في العمر الجديد، لأنه سبقك بخطوات، أو أنت تأخرت عنه بخطوات!
-    أحد منهم تسحبه معك إلى تفاصيل مراحل العمر، تشعر أنه ظلك، وأنه يماثل إيقاع حياتك الذي لا ينتظم إلا به ومعه، تكبران معاً، وقد تخرفان معاً، وتبقى الذكريات والتفاصيل الكثيرة، والأوجاع المشتركة على امتداد علاقتكما!
-    أحد منهم تنقطع علاقته بك لسبب صغير أو لسبب ظللت فترة طويلة تجهله، وكنت تتيقن أن مثل ذلك السبب لن يفرق علاقتكما، لكنكما تكتشفان أن السبب الصغير قد يكون كبيراً وعميقاً، ويكفي لأن يفرقكما!
-    أحد منهم تجبرك الظروف على أن تقول له: وداعاً من أول تعامل معه في أمور الحياة، فلا تأمل منه أن يثمن قيم الدنيا وأشياءها النبيلة، فيكون وداع ما بعده لقاء.
-    أحد منهم تحمله مثل صخرة «سيزيف»، يظل يثقل كاهلك وتتحامل على حمله، وتئن من ثقله صعوداً إلى قمة ذلك الجبل، وفي مسالك الحياة، يبقى هو يتدحرج غير مقدر تعبك ولا جهدك ولا تضحياتك، وتبقى أنت تتحمل وتصبر، ولا تقدر الفكاك منه!
-    أحد منهم يكون سطحياً؛ بحيث يمكن أن يسمع كلمة من آخر أو من امرأة أو من غريم فيثمنك من كلامهم، ويحاسبك بردة أفعالهم، وكأنهم هم الأصدقاء وأنت العدو الوحيد الذي اكتشفه للتو!
-    وحدها نفسك التي تجعل من ظلك صديقاً أبدياً لها، تلومها فلا تزعل، وتعتب عليها فلا تنفر، تخاصمها ولا يرضيك مثلها، الإنسان صديق نفسه أحياناً!
-    هكذا هي الصداقات العابرة والطارئة والقائمة والباقية، مرات نتعثر بورد، ومرات نتعثر بحجر!