يعتقد البعض من الناس أن الدين ليس إلا وسيلة للوصول، وإلى ركوب المطايا، لتحقيق أهداف غير بريئة تختبئ في معطف مزدهر بالألوان البراقة.
الأمر الذي يجعل من توافق هؤلاء مع الآخر مستحيلاً، لأنهم يرون في اتفاقهم، فقدان الوسيلة التي تحقق أطماعهم، وتطلعاتهم، وهي بطبيعة الحال غير مشروعة.
الأديان جميعها، وبلا استثناء، جاءت لكبح جماح الخوف في نفس الإنسان من المجهول الذي يطوقه، والذي يحيطه، ويعتريه، لم تكن في يوم من الأيام وسيلة للغطرسة والبطش، والاستيلاء على حرية الآخرين في العبادة، والتفكير.
الدين هو المعادل القوي في رفض العزلة والتسلط، وهو أيضاً الطريق المفتوح إلى تعددية الأفكار، فلا يوجد في الكون أكثر من لون، وأكثر من حجم، وأكثر من عرق، وأكثر من شكل، فإن الأديان جاءت لتعبر عن التوافق بين الأشكال المتعددة، لأن الحياة تنمو وتزدهر باختلاف الألوان، فكيف لنا أن نتعرف على الأشياء من دون تعددها وتنوعها، وكذلك الأديان، فهي جاءت لتميز العصور والمراحل، وليس لتميز ديانة عن أخرى، وبخصوص ديننا الإسلامي فإنه الدين الأكثر حرصاً على توحيد العبادة، كما توطيد العلاقة بين هذا الدين وذاك، وليس المؤمن إلا الذي يؤمن بأنبياء الله جميعاً، وكتبه، وملائكته.
ولا يمكن للإنسانية أن تسير في طريق الهداية الحقيقية إلا باتباع كلام الله، وليس كلام المدعين والمزيفين والمفترين، والقابضين على جمرة الحذلقة، والزحلقة على رمال الأفكار اللزجة، وحجب الغيوم الداكنة، وكرب المشاعر المضطربة.
عندما جمعت الإمارات سدنة الأديان السماوية الثلاثة، إنما انطلقت من وازع التوحيد، وانبثقت رؤيتها من حلم الإنسان، أن جميع من يسكن الأرض، إنما هم من ترائب هذه الأرض، ومن صلب سماء واحدة، ولا يمكن لدين أن يرفض الدين الآخر، لأنه في الرفض وكأنه يعارض الفطرة، وينفي وجود آخر، خلقه الله لكي يتعايش مع جنسه، ويتعاضد مع بني نوعه، ولا مراس من وجود التعدد، لأن في التعدد حياة، وفي التنوع ازدهاراً، وفي غضون هذه اللوحة التشكيلية، فسيفساء تجعل من الكون أيقونة للتاريخ، وقيثارة للحلم البشري، ونشيداً للطير كي يتناغم مع تراتيل ما تبديه النجوم من عزف على وتر الوجود الزاهي.
هكذا هي نبرة الإمارات في تعاطيها مع الحياة، وفي تذوقها طعم الجمال في وجوه المبتهجين فرحاً بأنهم أبناء الأرض، وواجبهم تعميرها، ورش الماء العذب على أزهارها، ليعم العطر، وينتشر العبير في أرجاء النفوس الإنسانية.