هل يخون المترجم نفسه أم يخون النص؟ هل ينبغي منه أن يسرّب الترجمة من دون أن يضفي عليها شيئاً من روحه؟ هل المترجم ملزم أن يكون حارساً للبوابة لا يترك الأشياء تمر من دون أن تحظى بمباركته وتدقيقه؟ أم أن المطلوب منه أن يجعل الأشياء تمر، ويجعلها تفعل؟ ربما تلك الجدلية بين ما للمترجم، وما هو حق للنص، والتي تثار ويعاد الحديث عنها في الأزمان والأماكن، طرأت عليّ فيها تلك الفكرة، ولذت بصمت المراقب، وأنا أتابع بعضاً من الجماعة في عراكهم اليومي مع المترجم العربي، ومرشدهم السياحي في إسبانيا، هناك أشياء كثيرة لا يقبلها المترجم ولا يستطيع ترجمتها لأنها مخالفة لثقافة الإسبان في حين الثقافة العربية تقبلها، ولا تتوقف عندها، وأعني بالثقافة ذلك الشق الخاص بالعادات والتقاليد، والتي أحياناً حتى تخالف التعاليم الدينية، لكنها هي الغالبة في تصرفات الناس، فالمترجم للإسبانية يستحيل عليه ترجمة قول جماعتنا مخاطبين امرأة لديها كلب من نوع «دبرمان» تجلس على طاولة قريبة منهم في مقهى: «قول لها تخَوّز كلبها من قدام وجوهنا»! 
مثلما يصعب عليه أن يفهم ثقافة  ذلك القادم من الصحراء القاحلة، وهو يتفدى كل بائعة في محلات العطور في مدريد، ويطلب من المترجم بعد كل ملاطفة من طرف واحد قوله: «ترجم للمزيونة شو قلت»، وحين تشك البائعة أن حديثه لا يخصه بشراء بضاعة منها، تريد أن تستفسر من المترجم الذي يدبلج لها عبارة مجاملة محايدة، بلا رائحة، وليس فيها شيء من كلام صاحبنا، فتهز رأسها ضاحكة، رادة الشكر بأحسن منه، فلا يتوقف صاحبنا الذي يصر على المترجم يريد معرفة ماذا كان رد البائعة، وهكذا يظل ذلك المترجم يخون نفسه، ويخون النص، درءاً للإحراج، ولعدم إعطاء الأجانب فكرة خاطئة عن تفكير العرب، وأحياناً تجنباً لأي مساءلة قانونية لا يعرفها الكثير من السياح، ويحسبون أنفسهم في دارهم، مثل أشياء تخص لون البشرة أو التعدي على الحرية الشخصية أو التدخل في شؤون الغير، فالمترجم المسكين لو ترجم أقوال جماعتنا كلها، كلما مر بهم رجل من أفريقيا بصحبة عمته أو رأوا شخصاً مثقباً أذنيه وطرف أنفه، ويضع فيهما حلقاً أو امرأة تنهى وتأمر وتوجه بصوت عال، لكان ما استطاع أن يخرجهم من أقسام الشرطة من كثرة الشكاوى، ورفع البلاغات.
وما يقع فيه المترجم الفوري الذي يهتم بشؤون السياح، وخاصة العرب، والذي عادة ما يكون شخصاً مهذباً أو مسجلاً في الدراسات العليا الجامعية، وتحكمه أشياء كثيرة بحكم معرفته الدقيقة بالنسيج المجتمعي الذي يعيش فيه، وبحكم الحاجة للمادة لكي تعينه في درسه وغربته، يقع فيه المترجم الأدبي، وخاصة أصحاب المبادئ والأخلاق أو الانتماء الديني أو الأيديولوجي، فتجده يقفز عن صفحات في الرواية لأن بها مشاهد حارة، وخارجة عن الآداب العامة، بل فيها فحش أو مادة تخص الأديان والماورائيات أو حتى الأمور السياسية الساخنة، فيخون هنا نفسه أو يخون النص، وكلاهما أمر صعب ودقيق ومحرج مهنياً، الفرق أن المترجم الفوري أو الدليل السياحي لا أحد يحاسبه غير مسبات تلحق به حين يدرك السياح كم ضيع عليهم أماكن ترفيه أو تستر على أماكن كانت ستسعدهم، أما المترجم الأدبي فهناك الكثير من المطارق على رأسه، وألف محاسب خلفه، فخيانة النص الأدبي لها عواقبها وأحكامها التي لا ترحم.