يقول الأوفياء: عودوا، لقد طال السفر، والأشرعة ما عادت تقوى على عصف الرياح،  فعودوا..
عودوا، البحر أدمته الصنانير، والمراكب في حضنه بلا بوصلة.. عودوا.. عودوا وهذا النهار يعزف نشيد الحياة، ما دام الأوفياء بصمت يعملون، وبصدق يسيرون، وبحب يبنون أعشاش الطمأنينة، ويسبكون قلائد الفرح، على صدور، وعلى الثغور يفرشون ابتسامات التفاؤل.
يقولون: عودوا.. عودوا، فدجلة الذي جفت مآقيه، يقول: عودوا، وسومر لم تعد تكتب ملاحمها منذ أن هجرت تلميذة في الفصل كتابها، وغابت سبورة الأمس تبحث عن أناشيد الوطن في سوريا، وسوريا لم تعد تسأل إلا عن عروبتها،  والمخلصون كثر، العشاق في السر، والجهر، يدعون الله العلي أن يعيد الابتسامة لثكلى، وأرملة، ويتيم، ويتيمة، وأن تخرج سوريا من عنق زجاجتها، ولا بد للقيد أن ينكسر، وأن تزدهر تلك الفيافي، وعيون النساء، وتخضر شجرة الزيتون، ويصفو دجلة، وبردى يرفع النشيد عالياً، إليك يا دمشق، إليك يا عقد الياسمين، والناس الطيبين، يا طفولة القصيدة، في قلب نزار، ورواية في ذاكرة حنا مينا، وحيدر حيدر.
فعودوا..عودوا، والنبلاء في أرض المحبة والسلام يقولون: عودوا.. عودوا، لأن نخلة هنا، وزيتونة هناك، هما الجذر، والسبر، هما الأعطاف، والأطياف، هما كل ما جاشت به الصحراء وهتف من أجله دجلة، هما اللحن، والشجن، هما الطور والزمن، هنا نحن الذين نضع جديلة امرأة غدرها الوقت، وعاث بها الدهر، واليوم تصحو على صوت يأتي من الخليج،  بشذا الأريج، هيا عودوا، عودوا، لأن القصيدة في عرف نزار لا تكتمل إلا بأنامل دمشق، تكتب رسالتها الشفوية، لأجل عروبة مبللة بالحب، لأجل أغنية سمتها الموال، يتساقط رطباً جنياً.
منذ أن غادر الشعر دمشق وهو يغسل يديه متخلصاً من قلم الغواية، والوشاية تتفاقم عبئاً، على عاتق الذين لم يسعهم الرحيل، لأن الغيمة كانت مفعمة بالطلق،  والرشق، والأفئدة مكتنزة بالرعب، والعيون لا تنشف دموعها، والقلوب مثل حقائب مدرسية لطلاب فقدوا الذاكرة.
منذ أن نشأت بين الأزقة فكرة التهويل، وتدويل سوريا، وها بعض القابضين على جمرة الغش، والنبش في قبور الأفكار، يسعون بلا ريبة، ولا وجل، إلى جعل دمشق مطلقة إلى الأبد، وهذا هو الكمد، هذا هو الرمل في عيني حقائق مقلوبة،  ونمارق من صوف ماعز مريضة.
ولكن لا بد من الحقيقة، طالما النبلاء أعلنوا أن دمشق حقيقة، وأن عودتها وتد في خيمة الحقيقة.
في هذا الوطن، هنا في الإمارات، النبلاء يغزلون خيوط الحرير على قماشة السياسة، هنا الأوفياء يكتبون سطور التاريخ من جديد، لأجل عالم تضيئه نوايا الناس المخلصين، وقلوب لا تعرف غير الحب.