نجد أنفسنا أحياناً ومن دون سابق إنذار أمام أحوال مجبورين على التعاطي معها، ويأتي هذا الجبر كونها أحوالاً لا عهد لنا بها، ولأننا كذلك عادة ما نكون عاجزين فيها عن تحديد موقف تجاهها. وما يحدث وقتها هو أن البوصلة الصغيرة الموجودة داخلنا تصبح في حالة شلل، فتتوقف عن الحركة، وقد نبدو بسبب ذلك تائهين مرتبكين، تتنازعنا مشاعر - على سبيل المثال- متناقضة حدية ضد أحداث علينا - وبموجب بعض معاييرنا المتوارثة - تبنيها أو على أقل تقدير عدم الاعتراض عليها! عن نفسي عندما أواجه بمثل هذه الأحوال، ينتابني شعور مزعج جداً، وأتساءل بصدق كيف يتعامل الآخرون مع أمور كهذه؟
يحدث ذلك بأشكال مختلفة، منها مثلاً أن تكون لديك مواقفك السابقة التي تبدو وكأنها مزروعة في جيناتك تجاه أمر أو شخوص ما، ثم يحدث أن تواجه أمراً شديد الحساسية ومقنعاً جداً ولكنه يفرض حالة مغايرة تماماً لما كنت على قناعة به، وهذا يسمى بالتنافر المعرفي، أو أن يحدث وعلى سبيل المثال -أيضاً- أن تتعرف على شخص ما يجمع من الطباع والمواقف المتباينة ما يجعلك تقف متيبّساً، فلا تملك رؤية واضحة تجاهه وهو ما يكون بتناقض الرغبات الشخصية وتعارضها مع بعض القيم المجتمعية، وعادة ما يكون التعامل مع هذه الحالات صعباً ومولّداً لأحاسيس الارتباك وعدم اليقين وغياب الاتساق.
في البداية علينا الاعتراف بأن ذلك أمر طبيعي تماماً، فالتناقضات حالة نسبية واقعة في كل جوانب حياتنا، في أفكارنا وتصوراتنا وقراراتنا، غير أنها حالة يجب الوقوف عليها وعدم تجاهلها، وكذلك تجنب قمعها لكي نتجنب الصراع والاضطراب الداخلي الذي سينتج عن أي من الحالتين. علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ونحدد التناقضات الموجودة في أفكارنا وتصوراتنا قبل الحكم على الآخرين، وعدم التوقف عن محاولة فهم السبب الجذري لتناقضاتنا، والبدء في تقييم صحة كل فكرة متضاربة مع غيرها من أفكارنا، وكذلك السماح لأنفسنا بتجارب جديدة ووجهات نظر متنوعة، ما يمكننا من توسيع مداركنا، وبالتالي تحقيق فهم أعمق لأنفسنا.. وللآخرين كذلك.