شكراً لمنظمة اليونسكو حين حددت 21 مارس من كل عام احتفالاً عالمياً للشعر. حين قرأت الخبر تذكرت ما يحدث لي حين يسألني قارئ لتجربتي الشعرية، أو مستمع في إحدى الأمسيات، أو صحفي صديق، عن كيفية كتابتي القصيدة، أو ما هي طقوسي الخاصة لكتابتها، أو كيف تأتي القصيدة وتولد. إلى غير ذلك من الأسئلة الشبيهة والمكررة على مدار السنين والتجربة. وهي أسئلة طُرحت منذ عقود من الزمن على الشعراء من دون وصول إلى إجابة تتيح التجاوز إلى أسئلة أكثر عمقاً وكشفاً. كأنما ثبات كل شيء يشمل الأسئلة فلا تتحرك في اتجاه مختلف للكشف عن سرية الشعر. وقد بقي الشعر في منطقة الغموض والإبهام والدهشة، وبقي الشاعر في خانة «الجنون»، تلك التي وسم بها منذ عصور خلت! وعلى رغم أني قد أجبت على هذه الأسئلة بإجابات عديدة متغيرة في الشكل ومتقاربة في المضمون، حسب الظرف واللحظة إلا أنني لا أعرف بعد كيف تأتي القصيدة، ولم أشغل نفسي بالسؤال عن ذلك. فأنا من ذلك النوع من الشعراء الذين لا يكتبون بقرار مسبق ولا بالتزام يومي.
ولعلي أخضع في كتابتها لحالة كثيفة من المشاعر والأفكار والرؤى التي تصطخب في الأعماق وتصطرع مع اللغة ومخزون ثقافتي ومشهد الحياة والوقائع وذاكرة التجارب الخاصة التي مررت وأمرُّ بها، والتوق والرغبات وهوى النفس، والكون والكائنات والوجود. فعندما يتخالط كل هذا ويتمازج ويتناسج ويشفّ، يقصد الكشف عن ذاته في نص هو الشعر، ويسمونه القصيدة من باب التقسيم أو التبويب أو القوالب التي أولع بها الإنسان.
أكتب القصيدة أينما أكون حين تملي عليّ ذاتها. قد أكتبها في المقهى، وفي الشارع، وفي المطبخ حين أعد الطعام، وحين انهماكي في أشغالي اليدوية.
وحين أعشق وحين أهجر. حين أستنبت البذرة أو أشذب الغصن. أكتبها حيناً على فراش التعب أو فراش الهناءة. أكتبها حين أرقب أولادي مأخوذة بسحرهم وجمالهم. أكتبها وأنا أرقب الكائنات والحياة. أكتبها حين يجرحني الواقع بفجاجته، وحين يبلسمني الحب بسموه وبهائه. وفي كل يوم يمر بي أشعر أن فيه شعراً أرقى وأصفى مما أقول. وهذا ما يجعل القصائد عندي لا تكف عن التوالد.
فالشعر بعض طاقة الروح، قد يدون كقصيدة على الورق، أو يتربص بنا في غفلة انشغالاتنا لنعلنه. كأن الشعر هو التوق الكامن في لعبة الكلام وخفاء الباطن. لذا ليس لي في لحظة الكتابة أو قبلها أية طقوس خاصة لكتابة الشعر!