في روايته الرائعة «عودة البحار» يقدم لنا جورجي أمادو، الروائي البرازيلي، صورة بديعة عن حياة البحارة والموانئ، وما تتركه من أثر في أولئك الذين رهنوا حياتهم للأسفار، وصراع البحر والحياة المائية الدائمة، وكيف يحب عاشق البحر المرافئ والموانئ، وما هي الأحلام التي تراود من يسكن البحر والسفن، ويعشق الترحال، وكيف تندمج الحياة بالحلم بين أن يكون البحر مصدر رزق وصورة عشق وحياة، حالة الاستعداد الدائم للطوارئ والحوادث وتقلبات الطبيعة والبحر، البحارة الذين يسكنهم حلم الهدوء والراحة، وحلمٌ بمن يخفف من تعبهم بعد الأسفار الطويلة، وطلب السكينة في النفوس المتحفزة والمضطربة دائماً، بالتأكيد ذلك الوجل الساكن فيهم لا تطفئه غير الموانئ، واستراحاتها الصغيرة، في المدن التي ترسو فيها مراكبهم المتعبة. 
هم ضجيج الحياة في المقاهي والأزقة في مدن تمر بهم سريعاً. استراحة قصيرة في المراسي، ثم تبحر السفن إلى الأزرق الواسع، إلى المحيطات الكبيرة. حياة البحارة صراع مع الحياة والوقت والزمن، حياة تحتاج لجلود وأجساد دبغها الملح والعرق والتعب، حياة لها تقاليدها ونظامها الصارم. لتكون بحاراً حقيقياً تحتاج لزمن طويل حتى تتعلم كيف تدير أمرك وحياتك، وكيف تقبل تعب البحر والعيش طويلاً على ظهر سفينة الأسفار ورحلة الغربة والتجوال في الموانئ البعيدة. أن يكون لديك الصبر والقوة على أن تغيب عن مدينتك ومنزلك وأسرتك لأشهر أو لسنوات طويلة، أن تتعود العيش على ظهر سفينة لا تستقر على مرسى أو ميناء أو مدينة، أكثر من أيام معدودة قد لا تتجاوز يومين أو ثلاثة أيام. 
مع هذه الصعوبة وحياة الماء/ البحر والتعب تجد البحار الذي يحلم بأن يكون قبطاناً لسفينة كل زمنها ووقتها مبحرة من ميناء إلى آخر. هذا ما يقدمه الروائي جورجي أمادو، عن القبطان فاسكو موسكو دو اراغان، الذي يفعل المستحيل ليصبح قبطاناً، حيث كان يحلم أن يقال له «هذا قبطان سفينة»!
منذ شهر و«مارليتا» تنتظر وصول البحار «مارك» حيث أبرق بذلك، خرجت سفينته من الفلبين وستطوف بعض الموانئ، وقبل العيد بيومين سترسو في ميناء راشد بدبي. قالت: هل يمكنك أن تساعدني بأن التقي البحار «مارك» على ظهر السفينة، وبما أن عشقي البحر والسفن والمراكب، سعدت بزيارة الباخرة (إم إس سي) هذا البحار يزور الإمارات لأول مرة، ولديه ثلاث أمنيات، محددة يحلم بتحقيقها في زيارته لدبي: أن يشتري خاتم زواجه من سوق الذهب القديم في ديره/ دبي، والتجوال في مول دبي، ثم زيارة برج خليفة، لديه يومان في الإمارات فقط ثم يغادر إلى ميناء العقبة بالأردن.
كان سعيداً جداً بتحقيق حلمه، أخذنا جولة في سفينته الكبيرة جداً، أول مرة أدخل سفينة بهذا الحجم، وكأنها فندق عائم، قاعات كثيرة للسينما والألعاب الرياضية وأحواض للسباحة ومطعم كبير جداً، وزوايا مقاهٍ وقاعات ترفيه كبيرة، حياة البحارة في هذه السفينة بالتأكيد لا تشبه ما نعرفه عن حياة البحارة في السفن الصغيرة التي كانت تعبر موانئ الخليج العربي. حتى في رواية جورجي أمادو «عودة البحار» لم يتحدث الكاتب عن مثل هذه التفاصيل العجيبة في هذه السفينة التي يبحر عليها الصديق الجديد الفلبيني «مارك».. إنها فندق عظيم يطوف الموانئ البعيدة.