عادة عندما كنت رئيسة تحرير إحدى المجلات العلمية، كان قراء المجلة يتواصلون مع فريق التحرير بشكل مباشر، ومعي بشكل خاص كلما سمحت الفرصة لذلك، ولهذا أحمل كماً كبيراً من الذكريات الجميلة والمواقف الطريفة التي أسترجعها من وقت لآخر بامتنان غير محدود. إحدى تلك الذكريات، والتي تذكرتها مؤخراً لسبب معاكس تماماً، تعليق شاب لن أنساه أبداً قابلته في معرض أبوظبي للكتاب، وقد بدا في منتصف الثلاثينيات، أخذ يقول لي وقد ملأه الحماس: «بَحس حالي إنسان محترم كل مَرة بشتري فيها المجلة».
في رأيي أن هذا أجمل ما سمعته حول علاقة إنسان بشيء يقرؤه، ورغم تهكم البعض على قوله، إلا أني وجدت فيه أبلغ تعبير عن التأثير الحقيقي للمجلة على قُرائها، ذلك التأثير الذي يرفع من تقدير الإنسان لذاته وبمعنى آخر «احترام النفس».
أتساءل بصدق حول شعور البعض تجاه أنفسهم حول ما يقضون فيه أوقاتهم أمام أو حول هذا الكم العظيم من الملهيّات التي قد ينتجونها من المحتويات التافهة، أو ما قد يتعرضون له من محتوى لا جدوي فيه، بل وما يدفعونه مقابل ذلك! وهل لهذه الأفعال علاقة بتدن في تقدير الذات وسلبية تجاه النفس، معتقدين أن هذا ما يستحقونه من حياتهم فعلاً.
هناك بعض الدلالات التي قد يصاب بها الإنسان وتدلل على أن هناك تدنياً في تقدير الذات، منها مثلاً انعدام الثقة والشك بالنفس والقلق والاكتئاب، وله أيضاً أسبابه، التي لها علاقة بتجارب الطفولة المبكرة، أو الحديث الذاتي السلبي، أو التأثيرات الخارجية مثل التنمر أو ضغط الأقران أو التوقعات المجتمعية. غير أن هذه النوعية من الناس قد لا تبدو عليهم هذه الدلالات، فلديهم قدرات عالية وثقة في أفعالهم تجاه أنفسهم، ولديهم إصرار على أن ما يقومون به ينفعهم ويطور مهارات لديهم، وغير ذلك من التبريرات التي تزيدهم تمسكاً بما يفعلونه، رغم نتائج ذلك السلبية عليهم في ضياع الوقت (أي العمر بمعنى آخر)!
الحقيقة الأكيدة في هذا الأمر، أن تقدير الذات وشعورنا بالاستحقاق يجب أن لا يأتيا من قناعة داخلية زائفة، وإنما مما نسمح به (رغبة وفعلاً) لأنفسنا من التعرض له، وهنا أقصد كل ما يتعمد الفرد من توجيه حواسه إليه بإرادة كاملة (مع سبق الإصرار والترصد). ما نفعله بعقولنا وأجسادنا وما نعرضه لأنفسنا في كل دقيقة من أعمارنا هو ما سيجعلنا نحدد هل نحن فعلاً نحترم أنفسنا حقاً.. أم عكس ذلك!