كلما وردت كلمة «فلسفة» في كتاب أو قول دارج في مجرى حديث شفهي، تساءلت بيني وبين نفسي عن معناها ومرجعها الأصلي، ليقين علمي أنها ليست عربية المصدر.
لذا رجعت إلى الجذر اللغوي لهذه الكلمة في المعجم العربي. ولم يخذلني المعجم فبعد أن شرح المعاني المتعددة للجذر «فلس» اعترف بأن الكلمة يونانية الأصل مركبة من معنيين هما «فيليا» وتعني المحبة، و«صوفيا» وتعني الحكمة لتصبح في تركيبها ومعناها «محبة الحكمة» ولأن حرف الـ«ص» ليس موجوداً إلا في العربية، فإن صوفيا، هي «سوفيا» باليونانية وكان أولى بالمعجم أن يوضحها هكذا، لأنك إذا جمعت فيليا/المحبة -بعد إسقاط الألف- تصير فيلي أو فيلو.. وأضفت إليها سوفيا -بإسقاط الألف من آخرها تصير (فيلو+ سوفي) فتصبح كما تلفظ في اللغة الإنجليزية philosophy وليس كما تلفظ في اللغة العربية (الفلسفة) وتعني حسب المعجم العربي: «الحكمة، والتأنق في المسائل العلمية والتفنن فيها». ولأنني اعتقدت دائماً شأن الناس عامة أن التأنق مفهوم يرتبط بارتداء الملابس فقد أدهشني أن يرتبط التأنق بالمسائل العلمية! لذا ذهبت إلى المعجم الإنجليزي ليعرف الفلسفة بأنها: البحث عن الحقيقة بطريق التفكير المنطقي وليس الملاحظة الواقعية فقط. لأن الفلسفة هي العلم الذي ينتظم علوم المنطق والأخلاق والجمال وما وراء الطبيعة ونظرية المعرفة. أما الفيلسوف فهو: شخص ذو نظرة فلسفية تمكنه من مواجهة الشدائد برباطة جأش!
وقد أعجبت بهذا الوصف وتمنيت لو أصير فيلسوفة. لكنني تنازلت عن أمنيتي سريعاً بعد أن قرأت قول المفكر الصيني «لين يوتانج» في تعريفه المرح للفيلسوف: «قد يكون الفيلسوف في حياتنا العصرية أكثر الناس تعرضاً للمديح وعدم الاهتمام في الوقت نفسه!» ثم يستدرك متهكماً ونافياً: «إن كان ثمة في هذا العالم شخص على هذا النحو.. لأن عبارة الفيلسوف أصبحت تطلق على بعض الناس كتقدير اجتماعي فقط!».
هنا علينا أن ننتبه إلى أن «لين يوتانج» يتحدث عن واقع صيني، يقيم للفيلسوف اعتباراً ما. كما يقول: وكل إنسان غامض ومستغلق على الفهم يُسمى فيلسوفاً. وكل امرئ لا يبدي اهتماماً بالحاضر، يدعى فيلسوفاً. وكل من يرفض ما يراه من نظرة عامة إلى الواقع، يعتبر فيلسوفاً إلى حد ما. فالفيلسوف هو الإنسان الذي يرفض الانصياع. وهو الذي ينظر إلى الحياة بعين الفنان ويعمل على صقل تفاصيل الواقع لكي يمكننا رؤية معناه. وبهذا المعنى فالفيلسوف هو النقيض المباشر للشخص الواقعي!
بهذه الشذرات القليلة سندرك المعنى الأعمق للفلسفة والفيلسوف، أكثر من التعريف الذي أورده المعجم!