يعاني الإنسان من تشقق قماشة النفس، ويصبح أكثر من شخص، ومن دون أن يعي.
عندما تتذكر نفسك، وتعرف أنك من سلالة بشرية، وتتأثر بمن حولك، ومن سبقوك، فإنك لا بد وأن تتحاشى الأثر القوي على شخصيتك، والذي يجعلك أكثر من شخص في آن واحد.
أما إذا غبت عن الوعي، وأصبح رأسك هذا مثل سلة مهملات، تجمع كل نفايات العالم، وتخرج بها إلى الناس، فإنك سوف تعاني، وسوف تواجه معضلة الاضطرابات النفسية، والتي تجعلك مثل جدار قديم تطوح به الرياح العاتية.
عندما لا تكون أنت، فإذن لا بد وأن تكون هم، وهم ليسوا أكثر من عقول، ورغبات، ومشاعر، وأهداف، متعددة، وهذه الفسيفساء الغائمة سوف تجعلك تعاني من عدم الاستقرار، وعدم القدرة على توحيد رغباتك، لأن رغباتك ليست لك، هي لهم، فتتنازعك هذه القوى المتضادة في داخلك، وتشطرك، وتمزقك إرباً، إرباً، وأنت لا حول لك ولا قوة، لأنك تتصرف بغير إرادتك، وتتحرك بإرادة الآخرين الذين يسكنونك، والذين يمثلون شخصيتك، المشوهة.
لو حاولت التفكير في مسألة بسيطة، ولكنها مؤثرة في بنائك الشخصي، المسألة تتمثل في أنك لماذا تحاول أن تقلد جارك التاجر، وتشتري كل ما يقوم هو بشرائه، وتستدين وتراكم عليك القروض، وكم من مرة قدم البنك الذي استدنت منه شكوى لتأخرك في سداد الدين؟
لو فكرت في هذا الأمر، وأنت حاضر الوعي، فسوف تعرف أن الآخرين يسكنون في عقلك الباطن، ويمسكون بأضراسهم إرادتك، حتى أصبحت مشلولاً لا تستطيع التحرر من سطوة هذا الاستعمار البغيض.
أنت تقلد، وتسير بطريقة عمياء وراء الآخرين، عندما يكون وعيك في إجازة مرضية، وكلما طالت الإجازة، خسرت أنت أكثر، وبت مسلوب العزيمة، وأمعنت في تقليد الآخرين، حتى ولو شعرت بالتعب، والضجر، وحتى لو تعرضت لتذمر البنوك، وشكواها من ديونك التي لا تسدد إلا بشق الأنفس.
الإنسان بصفته ذاتياً، بحتاً، فإنه لا يقلل، ولا ينضوي تحت لواء الآخرين، إلا عندما يكون في كنف الغيبوبة.
والغيبوبة تعني فقدان الوعي، أي الوعي بأنك يجب أن تتصرف بعدالة مفرطة، في تعاملك مع متطلبات حياتك، وإلا ستخضع لمساءلة الضمير، وعندما لا يجد الضمير الإجابة الشافية، فإنه ينام بالقرب منك، وينتظر الفرج، وكلما طالت نومة وعيك، نسي الضمير شكل الصحو، وتماديت أنت في التقليد، والانصياع لإرادة الآخرين.
وهنا تصدق مقولة أوكتافيو باث في حديثه عن التبعية للآخر «يتميز كل فرد بتفرده، ولكنْ في داخل كل فرد أفراد آخرون لا يعرفهم» هنا تقع المشكلة، عندما لا تعرف من يقف خلفك فقد تصطدم به، أو بالجدار الذي وراءك، لأنك لا ترى أحداً في غياب الوعي، لأنك تتحرك من دون وعي، ومن دون بصيرة.