لو تبصر الإنسان في كلمتين مقتضبتين، خفيفتين ثقيلتين، فلن يجد مثل كلمتي نعم ولا، لأن لا شيء خلال مسيرة الإنسان الطويلة أشغله وأتعبه في الحياة مثل قوله: «نعم» في وقت غير مناسب، وقوله: «لا» في مكان غير صحيح، هذه الجدلية البسيطة والعميقة التي لم يفهمها الكثير من الناس، ولم يتعظ منها إلا بعد دفع ضريبتها، لأن هذه الفلسفة التي تحملها هاتان الكلمتان الصغيرتان الثقيلتان، إما باتجاه الخير أو باتجاه الشر، وهما فيصلا الاختيار، أكبر أمانة حملها الإنسان، نعم ولا وحدهما يمكن أن يغيرا مصير إنسان، إما يرفعانه لأعلى عليين أو يهبطان به لأسفل سافلين، فكلمة «نعم» أحياناً محرجة، وأحياناً مسعفة، وأحياناً أخرى مسكّنة، أما كلمة «لا» فهي صادّة، رادّة، وهي محبطة، مخيبة للآمال، وكثيراً ما يتعثر الإنسان في وزن هاتين الكلمتين، فالعمر له حكمه وأحكامه، والتجربة الحياتية لها مسؤوليتها، وقرارها الصائب، والوعي له رأيه السديد، ولو أحصينا كم قلنا: «نعم» متأسفين، وقلنا: «لا» متلومين، وكم قلنا: «نعم» في موجب «لا»، وقلنا: «لا» في مطرح «نعم»، وغالباً ما تجبر الحياة الإنسان أن يقبل بأقل الخسائر أو يرضى من الغنيمة بالإياب، فيختار «نعم»، ويرضى أن يناطح صخرة أو يهد المعبد على من فيه بقوله: «لا»، ومهما حاول الإنسان أن يصبح كالحرباء أو يمسك العصا من منتصفها أو يفضل اللون الرمادي بدلاً من اللونين الأبيض والأسود، فلن يقدر، لأن التعامل مع تلك الكلمتين ينبغي أن يكون الإنسان حازماً، ومعهما جازماً لكي يرتاح، فلا يشعر بتأنيب الضمير أو الأسى والتأسف، هاتان الكلمتان لا تقبلان القسمة، ولا ترضيان بالتجزئة، تماماً مثلما قال «سارتر»: اختار أو لا تختار، ولكن لا تركن لحل ثالث، هو عدم الاختيار، لأن عدم الاختيار حتماً هو اختيار! 
كلمة «نعم» وكلمة «لا» كثيراً ما تجعلان الإنسان يدفع ثمنهما غالياً، خاصة أولئك الناس المكابرين الذين لا يحبون التراجع، ويركبون رؤوسهم، فترميهم كلمة «لا» في مهالك الردى، وتذيقهم كلمة «نعم» تلك الخسائر والانكسارات التي لا تنتهي، هناك أناس يعشقون كلمة «لا» فيستخدمونها في الطالعة والنازلة، وأناس سمحة أرواحهم، ويتجنبون كلمة «لا»، ولولا «التشهد لكانت لاؤهم نعم»!
كلمة «نعم» يحبها الجميع، ويستسيغها الكل، وتفرح القلب، وقد تضحك السن، وضريبتها قاسية، أما كلمة «لا» فهي مكروهة من الآخر، مهما كان هذا الآخر، فهو يشعر بها كالرحى على الصدر، وقائلها عادة ما يصنف كنصف شيطان، لكن ضريبتها أشد قسوة.
كلمة «لا» خلقت حرباً، كلمة «نعم» صنعت سلماً، كلمة «لا» مهلكة، كلمة «نعم» منجية، لو قلنا: «نعم» بدلاً من «لا» في فترة من التاريخ القديم، وقلنا: «لا» بدلاً من «نعم» من التاريخ الحديث، لتغيرت أمور، ولسطّر التاريخ أحداثاً مختلفة ومغايرة، وربما تغير مجرى حياتنا باتجاه الإيمان بالوعي، والوعي بالإيمان، بين «نعم» وبين «لا» سيظل الإنسان حائراً، قلقاً، متردداً، متحفزاً، لأن للكلمتين وقع أسف حاضراً أو قادماً، لا يحبه الإنسان عادة، ولو حاول البعض أن يقول: نعم باستحياء أو يقول: لا خجولة، فلن تنطلي تلك الحيلة المتلونة على الناس، حتى لو قال لهم: لعم!