احتفاء بيوم البيئة العالمي والذي يصادف اليوم، وسعي دول العالم المتقدمة للحد من كل مسببات هذا التلوث من مواد ضارة ومصنعة ونستهلكها بكثرة في كل شيء، وحذوها الجاد لإيجاد البديل الذي هو من صميم البيئة والطبيعة الصديقة لها، والتي يمكنها أن تخفف كل مسببات الأمراض الغريبة والمفاجئة التي تصيب الإنسان، ويجعل علاجه وطبابته وتشغيل المختبرات وإجراء التجارب على الأدوية من مستنزفات الدول المالية، اليوم.. الجميع، وفي ظل المعرفة المتوفرة والوعي البيئي الذي زاد في السنوات الأخيرة نتيجة قرع أجراس الخطر الذي يمكن أن يهدد البيئة والتواجد البشري عليها، هي أجراس خطر لابتكارات الإنسان العصري المتتالية، وتجاربه النووية وأسلحته البيولوجية، وتركه للمواد الطبيعية في مأكله ومشربه وسكنه، ومستلزماته اليومية، والاتجاه بشكل كلي إلى الجاهز والمصنع والمضافة إليه الألوان ومثبتاتها ومواد بعضها غير صالحة للاستهلاك الآدمي على مدى طويل، إضافة لأجهزة الطبخ والتسخين والتبريد والتجميد، تجد في المجتمعات المتقدمة مناداة من خلال جمعيات أهلية ومدنية للحد من كل ما هو ضار بالبيئة والإنسان، وتجدهم يتصدون لكل البرامج والتجارب الحديثة والتي تساهم في الانبعاثات الحرارية وقتل اللون الأخضر، والقضاء على الغابات لصالح العمران وتسيير المعدات والمركبات الثقيلة في المدن، والمتسببات في ارتفاع درجة الضوضاء أو مخلفاتها من الأدخنة والمحروقات، تجدهم ينامون على الأرصفة في أجواء طبيعية مدمرة من أجل سماع صوتهم، ومن أجل نشر الوعي البيئي حتى أصبحت لهم أحزابهم السياسية والتي تعرف بالأحزاب الخضراء.
إذا كانت ملوثات ومهددات البيئة الخارجية معروفة، والجميع يدركها رغم تنوعها وكثرتها، غير أن هناك مهددات داخلية، وهذه تمس نسيج المجتمعات، وما تعارفت عليه الحضارات الإنسانية منذ نشأتها، وأكدتها الديانات السماوية والمدارس الفلسفية، حتى غدا السجال بين المؤسسات الدينية وأصحاب التفكير العقلاني العلمي نتيجة طرح بعض الأفكار التي تمس الأسرة ومكونها المقدس أو الحديث بصوت عال عن التجارب على الجنس البشري، واللعب بالهندسة الوراثية والجينات، ودخل الأدب من خلال الروايات والقصص على الخط، وخاصة أدب الخيال العلمي، واليوم يدور حديث كبير وخطير وعلى نطاق واسع تتبناه دول كبرى بخصوص «الجندر» وتعريفه أو ما يسمى في العربية بمصطلح الجنسانية، وهو غير مصطلح الجنس ذكراً كان أو أنثى، فهذا التصنيفان أصبحا اليوم غير كافيين، والكثير، وخاصة في المجتمعات الأوروبية والأميركية، يناشدون بإدراج تصنيفات جديدة، وعلى الجميع أن يعترف بها، لأن الهدف خلق مجتمعات متسامحة لأبعد الحدود، ولو على حسابات الدين والثقافة والتقاليد والنسيج المجتمعي الإنساني التقليدي، هي مهددات للبيئة التي نعيش فيها، وهي تأتي من الداخل، فأسهل ما تهدم الحصون من داخلها أما أسوارها الخارجية فبإمكانها أن تقاوم وتتحمل الحصار والتجويع، اليوم.. هناك مناداة بتفتيت الأسرة، وهدم كيانها واختلاط مسميات أفرادها، وهناك هجمات مستهدفة للأطفال والأجيال المقبلة وخاصة في فترات المراهقة، وتعبئتها معرفياً، وجذبها بمشهيات الحياة ومغرياتها، وتكريس مفاهيم القدوة، بعيداً عن الفروسية والرجولة والقوة ومعاني تحمل القيم الإنسانية العالية، وهناك ما هو أخطر؛ قتل الهوية الوطنية لصالح الهوية الكوكبية «المونديالية» باستهداف اللغات التي هي خندق الهوية الأخير!