جاء إعلان ندوة الثقافة والعلوم في دبي عن إطلاقها «جائزة الشعر العربي» قبل أيام، ليشكل حدثاً ثقافياً مهماً على صعيد مؤسسي في الدولة. إذ في هذه اللحظة التي يتسابق فيها الجميع للترويج للأدب الروائي موصوفاً بأنه أصبح ديوان العرب اليوم، وفي ظل الدعم الكبير والسخاء الذي يلقاه الفنانون التشكيليون، ظل الشعر في الإمارات بحاجة لمزيد من الدعم الذي يستحقه رغم نضج التجربة وأسبقيتها في طرح مفاهيم التجديد منذ الستينيات مع د.أحمد المدني الذي غامر بالدخول في شعر التفعيلة وصولاً إلى مطالع الثمانينيات عندما قدمت الإمارات مجموعة مهمة من الأصوات الشعرية التي تتقاطع مع أبرز الأصوات الشعرية العربية، وبالأخص في تجارب الحداثة وقصائد التفعيلة والنثر. مع ذلك، لم ينل الشعر في الإمارات المكانة التي يستحقها من بعض المؤسسات الثقافية، بل ظل يتراجع لصالح الفنون الأخرى. حتى معارض الكتب التي احتضنت تقديم الشعر الإماراتي بكافة تياراته في مراحل الثمانينيات والتسعينيات، تراجعت هي الأخرى واكتفت بمنح الآداب الأخرى مساحات أكبر على حساب الشعر وأمسياته وندواته.
نقول هذا، لأن إعلان ندوة الثقافة والعلوم قرر أن يمنح الجائزة لثلاث فئات هي (العمودي والتفعيلة والنثر). والندوة هنا، ترصد المنجز الشعري بصورته الكاملة. إذ من المجحف أن يتم تجاهل قصيدة النثر التي أسست لتيار حداثي مهم وبرزت منها أسماء مهمة على مستوى فن بناء المعمار النصّي لقصيدة النثر وتوليد إيقاعاتها الداخلية وبناء الصور والجمل الشعرية بأساليب جديدة. أيضاً يجب القول هنا، إن قصيدة التفعيلة في الإمارات لم تنل هي الأخرى ما تستحقه، إذ بقيت هذه الأنواع بعيدة عن الاستيعاب العام، ولم تُردف بقراءة نقدية ممنهجة إلا قليلاً. والرائع في هذه الجائزة أنها جاءت في وقت يعلن فيه الجميع عن موت الشعر، فشكراً للندوة والقائمين عليها.
منذ أكثر من ستين سنة بدأت حركة التجديد الفنية في الإمارات من خلال الشعر أولاً، حيث مهّدت الحركة الشعرية وقادت معركة التنوير الفكري ضد دعاة التقليد الصارم. وواجه الشعراء أشد أنواع التحديات من التيارات الفكرية الماضوية، تلتها بعد ذلك دعوات التجديد في الكتابة الإبداعية والمسرح والفن التشكيلي ثم السينما. وما نعيشه اليوم من انفتاح فكري وثقافي جعل من الإمارات منبر إشعاع فكري في المنطقة، تعود جذوره إلى الشعر أولاً. وتكريم الشعراء بجائزة من ندوة الثقافة والعلوم، ومن بعدها بقية المؤسسات، هو خطوة كبيرة في الطريق الصحيح.