دوماً كنت أتساءل عن معنى كلمة مهرجان فهل هي من «هَرَجَ»؟ إلا أن المعنى القاموسي لهذا الفعل لا يعبر تماماً عن معنى المهرجان؛ إذ إنه يعني أن بعض الناس وقعوا في ارتباك واختلاط. ويعني: أفاض في الحديث، وخلّط فيه. ويعني: مزح وأتى بما يُضحك. واشتق من هذا المعنى اسم «المهرِّج». قلت إذاً أعود إلى المصدر «مَهَرَ» فوجدت أنه يعني: مهر المرأة أو صداقها. والفرَس حين ولادتها. ولكنني وجدت أن كلمة مهرجان تعني: عيداً احتفالياً عظيماً عند الفُرس. وهي مركبة في لغتهم، من «مِهر» أي محبة و«جان» أي روح، فتكون عيد محبة الروح.
ويمكننا أن نتأمل هذا المعنى العميق لكلمة مهرجان، فهي الاحتفال العظيم بمحبة الروح، حيث ارتباط المحبة لا بالانفعال العابر، أو برغبة طارئة أو خفية، بل بالجوهر والسمو والرسوخ. وإذا كانت المحبة هي أرقى المشاعر وأنبل سلوك يتصف به الإنسان، فإن الروح هي قلب الكائنات وسر حيويتها وطاقة حضورها الحي.
في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، انسلخ معنى «المهرجان» عن منبعه الأول وتخالطت مفاهيمه بالهرج، وانتشر في كل عاصمة عربية، في متوالية سريعة لا تكاد تترك بين مهرجان وآخر فسحة للهدوء. كأننا نعيش فرحاً ممتداً على مدى الأيام والسنوات! لكن «المهرجان» انسلخ عن طقسه المبجل ليرتدي ثوب السياحة الواسع الفضفاض، ويسير متبختراً مستعرضاً فنون الإغراء وتجميع الحشود. كان احتفالاً بالمحبة لذاتها، صار احتفالاً بمحبة البائع للمشتري. كان عظيماً كالروح في كنهها المطلق، صار عظيم الدراية بروح السوق وتعدد شباكها. كنا نؤمن بأن الأدب احتفاء بالحياة، ومعبر عن آلامها وآمالها وفاعل في تغيير مساراتها. لكنه صار منكفئاً، يساير ولا يغاير، يقف في آخر الصفوف هامساً، فلا يصل صداه، في صخب السوق، إلا إلى قائله. وكنا نؤمن بأن الموسيقى نغم يردده القلب في عنائه ووجده، والفصول في تبدلاتها، فصارت قرقعة وتطبيلاً وترجيع خواء! 
وكنا نؤمن بأن الغناء هجس الروح، منبعه القلب وحكمة الأيام. يستنهض الحنين والذاكرة. لكنه صار كلاماً خاوياً لا يتوغل في الذاكرة ولا الوجدان، كلاماً عادياً وصار مألوفاً حد الإملال.. يقتحم الآذان والذائقة من دون أن يترك لنا فسحة للاختيار. أما الفن العظيم الذي ولد في أزمنة النهوض ويقظة الوعي والحواس فآخذ في الانقراض والاضمحلال! 
ومع ذلك، ومع كل ما آل إليه حال الأدب والفنون، وما صارت عليه شؤون الناس وانشغالاتها، ففي المهرجانات ثمة ورد للفرح، وبهجة بلقاء الأصدقاء!