الصغار في ذاك الزمان الجميل، زمن الطيبين، حين كانوا يتخاصمون، وينقطع الكلام بينهم، كانوا يشبكون خنصري اليد، «يتْجَاوبون»، أي يعلن أحدهما الزعل على الآخر، وخاصة البنات، مثلما كانوا حين يبدأون العراك بالأيدي، يرسم أحدهما خطاً على الأرض فإذا تعداه أو مسحه، التحما بالأيدي أو كما كانوا يقولون: «باط.. أباط»، أيامها كان الزعل وجهاً لوجه، اليوم معظم الزعل يبدأ من الهاتف الذكي وتطبيقاته، واحدة ما عجبتها عباءة صديقتها أو رفضت أن تخبرها من أين اشترتها، فتذم العباءة، والمرأة ذمها، ولا تذم عباءتها، ويبدأ من هنا الزعل الرقمي أو الإلكتروني بينهما، «فاشينستا» خطفت على سيارة فارهة، وتصورت جنبها، وكأنها سيارتها، فتنزلها على «السناب والإنستغرام»، وتقول: «هدية من الغالين في رأس السنة»، وهي ولا أحد عبّرها من عاشوراء حتى دخلت السنة الجديدة، ومرت عليها السنة الهجرية، مثل الطهف، حتى ثياب الصلاة ما أحد أهداها، فيظهرون لها شياطين المتابعين، ويفضحون وقفتها غير الواثقة بجانب تلك السيارة الفارهة، وكأنها حرامية سيارات، تريد أن تكسر قفل الباب أو الزجاج الجانبي، ويظهر فريق آخر من المتابعين المتخصصين، فيفندون لها الأرقام المتسلسلة لمثل هذا النوع من السيارات، ولون كل رقم، واسم المشتري ومن أي بلد، فترد «الفاشينستا» «ريوس، وغيار عكسي» فتزعل من جمهورها الوهمي التي دفعت على كل رأس مبلغاً وقدره، لكي يتصاعد عدد متابعيها، ويبدأ التناوش من بعيد، وتدخل على الخط «فاشينستات» من الزميلات وهن كثر، العدوة، المنافسة، المنتقمة، المتشفية، والتي لا تحب أهل من جابها، فتحدث تلك المعركة الإلكترونية الشرسة، وتتوسع حتى يصبح الخصام من بين الأفراد إلى بين الدول، وما حرب داعس والغبراء التي كان أساسها عجوزاً، ما زالت جاثية.
واحد يظل «يشالي» معك من مكان إلى مكان، ولا يخلي شيئاً من مفسدات الصوم إلا وأتاها، ويوم الجمعة سبحان الله يتحول إلى داعية، ولا يترك واحداً ممن سبهم طوال الأسبوع إلا ويرسل له رسالة تذكير وتوحيد واستغفار وأمنيات بجمعة مباركة، ولأن الناس تعرفه، وأنت أولهم لا ترد على تلك الصور الساذجة، للورود والمدخن، وكلمات أحياناً من حكم «كونفيشيوس»، ومن الأقوال البوذية الإنسانية، وما لها بفضائل الجمعة، لكن البعض يلصقها، وكأنها من التراث الإسلامي، وحين لا يتلقى رداً أفضل من تلك التحية التي أرسلها نهار الجمعة، يرجع يسب ويزعل منك رقمياً، واحد آخر لم تقبله ضمن أصدقاء الفضاء الرقمي ومنصات التواصل، يزعل منك إلكترونياً، ويظل يلوم نفسه: «ليش أصلاً أرسلت له طلب الإضافة، منو فاكر نفسه، الكبر لله»! وتكون أنت ولا تدري بالمسألة أو لم تفتح بريدك منذ خمسة أيام، وهو يكيل ويهيل، ويبني قصصاً من التعادي والخصام الرقمي، وواحد آخر تكون بالغلط حذفت اسمه من خانة الأصدقاء فجأة، بسبب العبث بالهاتف، خاصة والعينان الآن لا ترى من بعيد فتميز، ولا ترى من قريب فتشخص، يتصاعد الزعاف في الرأس، ويعلن الخصومة عليك: «ليش يحذف اسمي أنا بالذات، الشرهة على الذي يتواصل معه»، ويظل يفكر: «ما الذي عملته فيه؟ ربما سمع كلاماً من الآخرين على لساني؟ يمكن كبر رأسه لما سوى فلوساً؟ أقول: «طبّه.. خلّه يولي»!
ما أكثر تلك الخصومات على فضاء العالم الافتراضي، وبعضها تنتقل من هناك إلى العالم الواقعي، وهنا تصبح الخصومة عداوة قاسية.