من الآن فصاعداً، يبدأ الرجال في دراسة كتاب الرياضيات، وينكبون على الطرح والجمع لميزانية الجيوب الفارغة، ويحسبون عدد الدراهم التي ستفلت من مخابئهم، وتذهب لوكالات السفر، حيث النساء يعددن العدة لمرحلة صيفية شاقة، وقاسية على الرجال، وبخاصة أولئك الذين يعانون تصحراً في الأرصدة البنكية، وأولئك الذين يمارسون التنفس بصعوبة كلما اقتربت ذوات الحسن والدلال منهم، ونظرن وغنجن، ونمرن ولمزن، وفجرن مكامن اللوعات في صدور الفقراء إلى الله، والذين لا يملكون حولاً ولا قوة سوى قول «يصير خير» وهم يعلمون أنهم لن يتمكنوا من إقناع الزوجات اللاتي تأهبن لما بعد الدراسة، وقضين الساعات الطويلة نقاشاً وحواراً، وثرثرة مع الصديقات والجارات، حول البلدان التي يعتزمن شد الرحال إليها.
سجال طويل يدور في العقل الباطن لدى الرجال، ويخوضون معارك شرسة بين السلب والإيجاب، وبين السؤال والجواب، وبين المد والجزر، وبين الأخذ والعطاء، وبين الابتسامة الباهتة واكفهرار الجبين، وبين النَّعم واللّاء، والحوار الداخلي مستمر، وفقاعة الكدر تكبر وتنتفخ، والموجة النسائية تقذف بالزبد ناحية الرجال، وهم يتلقفونها عن طيب خاطر، رغماً عن أنوفهم، لأن التيار شديد المِرّة، ولأن الهجمة ضروس، ولأن ابتسامة بعض النساء تحطم الحجر، والكلمات تفتت ظهور الجبال، والدموع المصطنعة تذيب جبال الجليد، ولا عذر ولا مبرر، ولا مسوغات تنفع أمام الزخ المطري الهاطل من ثغور دهنت بمساحيق وملونات الأصباغ المغرية، والمثيرة للأشجان.
محنة ما بعد العام الدراسي تفوق كل القلق، والتعب مع الأبناء، لأن الصغار مهما تشاغبوا، وأرهقوا الآباء، تبقى مسألة ترويضهم أسهل من ترويض الخيول الجامحة، والتي امتلكت خبرة السنين في تركيع طوال الشنب.
المسألة صعبة، وعسيرة على كل من ابتلي بمن لا تعرف سوى التباهي أمام الأخريات بأنها عزمت الأمر في هذه السنة على السفر للبلد الفلاني، ولا داعي للتفكير من أين سيتدبر ذلك المسكين أمر الصرف على رحلة ربما لا تروق له، ولا تهمه أكثر مما سيحدث «لجيبه» عندما يكتشف أنه فارغ، ويشكو من الجفاف المادي، والذي سيؤدي لا محالة إلى الجفاف العاطفي بعد حين، وحين يرى نفسه أمام العوز الرهيب، كما يتعكز ليصل إلى قمة الجبل.
قصة البحث عن الحلول لدى بعض الرجال تبدو كمن يبحث عن الذهب في كومة قمامة، أو كمن يغوص في الرمل ليغسل رأسه من الغبار.